ووجهه عندهم : أنّ المتيقّن ثبوت الفرع بما يثبت به الأصل ؛ نظرا إلى ما ذكروه ، وبأنقص منه مشكوك فيه فلا يصار إليه إلاّ بدليل ، والاكتفاء بتعديل شهود الزنى بالعدلين للنصّ (١) ، وعلى ما اخترناه لا يخفى حقيقة الحال.
وثانيهما : أنّ مفهوم آية التثبّت (٢) يدلّ على عموم قبول خبر الواحد العدل إلاّ ما خرج بدليل كالشهادة.
وجوابه : أنّ المراد بالفاسق في الآية من له صفة الفسق في الواقع ، فيتوقّف قبول الخبر على العلم بانتفائها ، وهو يتوقّف على العلم بالعدالة ، كما تقدّم (٣) مفصّلا. فمنطوق الآية يدلّ على توقّف قبول الخبر على العلم بالعدالة ، وحصوله موقوف على أحد الامور الثلاثة ، وواحد منها ـ أعني البيّنة ـ وإن لم يفد العلم إلاّ أنّه قائم مقامه شرعا ، وخبر الواحد لا يفيد العلم لا عقلا ولا شرعا. فلو دلّ مفهوم الآية على عموم قبول خبر الواحد وإن كان في معرفة العدالة ، يلزم التناقض بين المفهوم والمنطوق ؛ لأنّ مقتضى المفهوم ـ وهو قبول خبر الواحد في معرفة العدالة ـ عدم اشتراط العلم بالعدالة ؛ لأنّه لا شبهة في أنّ خبر الواحد لا يفيد العلم ، ومقتضى المنطوق خلافه ، كما عرفت (٤) ، فلا بدّ من حمل المفهوم على إرادة الإخبار بما سوى العدالة حتّى يندفع التناقض.
فإن قيل : المفهوم يدلّ على عموم قبول خبر الواحد ، والمنطوق يدلّ على عموم عدم قبوله ، فكما يمكن أن يخصّص المفهوم بالمنطوق ويقال : المراد من المفهوم الإخبار بما سوى العدالة ، فيمكن العكس أيضا بأن يقال : المراد من عدم قبوله فيما سوى البيّنة وخبر الواحد عن العدالة ، وليس تخصيص أحد العمومين بالآخر أولى من العكس.
قلت : تخصيص المفهوم بالمنطوق أولى ؛ لكونه أقوى وأرجح ، وتخصيص المنطوق بالمفهوم في باب البيّنة للدليل الخارجي لا بالنظر إلى خصوص العمومين ، وخبر الواحد في التعديل لمّا لم يثبت بدليل من خارج ، ووقع فيه التعارض بين العمومين ، يلزم أن يخصّص
__________________
(١) راجع وسائل الشيعة ٢٧ : ٤٠٣ ، أبواب الشهادات ، الباب ٤٤ ، ح ٢.
(٢) هي آية النبأ في سورة الحجرات (٤٩) : ٦.
(٣) تقدّم في ص ٢٣٤ وما بعدها.
(٤) آنفا.