الأحكام الشرعيّة (١) ؛ فأعرضوا عن الأدلّة الاصوليّة لظنّيّتها ، ولم يمكن لهم إنكار حجّيّة أخبار الآحاد ؛ لانسداد باب الفقه حينئذ ؛ فقالوا : إنّها تفيد العلم (٢).
وبما ذكرنا ظهر أنّ مناط الفرق بين المجتهد والأخباريّ أنّ الأوّل يجوّز العمل بالظنّ في الأحكام ، بخلاف الثاني ؛ فإنّه يشترط اليقين.
ولا يخفى أنّ حقّيّة مذهب المجتهدين في غاية الظهور ؛ فإنّ الإجماع منعقد على جواز العمل بظنّ المجتهد ، كما ادّعاه جمع كثير (٣). وليس هذا الإجماع من الشيعة فقط ، بل من جميع المسلمين ، فخلاف طائفة قليلة من الأخباريّين لا اعتداد به ، سيّما مع كونهم من المتأخّرين ؛ لأنّ هذا الخلاف نشأ منهم.
والجواب عمّا استدلّوا به : أنّ الحكم المستنبط من اجتهاد المجتهد ليس من باب الظنون ، بل الظنّ في طريقه. وأمّا نفس الحكم فهو معلوم ؛ لكونه حكم الله يقينا في حقّه ، فإذا غلب على ظنّ المجتهد حكم شرعيّ بطريق شرعي ، يحصل عنده قياس يقينيّ منتج لمطلوبه ، وهو أنّ هذا الحكم مظنون الثبوت عندي بالطريق الشرعيّ ، وكلّ مظنون الثبوت عندي بالطريق الشرعيّ حكم الله يقينا في حقّي ، ينتج ، هذا حكم الله يقينا في حقّي.
والصغرى يقينيّة وجدانيّة ، والكبرى ثابتة بالإجماع ، فالحكم المستنبط من الاجتهاد وإن لم يكن معلوما يقينا أنّه حكم الله الواقعيّ ، إلاّ أنّه يعلم أنّه حكم الله في حقّ المجتهد يقينا ، فهو خارج عن باب الظنون الممنوع عنها ؛ لأنّ المراد منها الظنون التي لم يكن العمل بها واجبا في حقّ الظانّ. والمخرج هو الإجماع.
ثمّ إنّك إن تأمّلت في حديث الإجماع ، فاستمع حتّى يثبت لك المطلوب بطريق برهاني قطعيّ لا ينكر عليه.
فنقول : أدلّة الفقه منحصرة بالكتاب ، والأخبار ، والأدلّة العقليّة الاصوليّة.
والأدلّة العقليّة ، كالاستصحاب ، وأصل العدم ، والقياس وغيرها لا تفيد إلاّ الظنّ ، وكذا
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : ١٠٤.
(٢) المصدر : ١٤٤ ـ ١٤٥.
(٣) منهم ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٢٢٠ ، وعضد الدين في مختصر المنتهى : ٤٨١ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ٢٣٩.