ثمّ قعد (١). فنقول : هذا من الصورة الثالثة من الصنف الأوّل من النوع الثاني ، فيلزمه حكمها كما تقدّم (٢).
وروي أنّه عليهالسلام نهى عن استقبال القبلة واستدبارها للبول والغائط ، وجلس لقضاء الحاجة في البيوت مستقبل بيت المقدس (٣).
وهذا يحتمل أن يكون كسابقه ؛ نظرا إلى كون النهي متناولا له ولامّته ، وعدم دليل على ثبوت التأسّي في فعله هذا.
ويحتمل اختصاص النهي بالامّة ؛ فيتغيّر الصورة ، وفهم ثبوت التأسّي من فعله ؛ فيتغيّر الصنف.
ثمّ الظاهر أنّ فعله هذا مخصّص لا ناسخ ؛ لأنّ دلالة قوله على حرمة الاستدبار له ولامّته في البيوت والصحاري ، أو لامّته فقط فيهما بالعموم ، وفعله يدلّ على إباحته في البيوت لكلّ أحد ، أو له خاصّة فيكون تخصيصا. وإن فرض أنّ فعله يدلّ على إباحته في البيوت والصحاري معا ، يكون تخصيصا أيضا ؛ نظرا إلى أنّ قوله يدلّ على الدوام بالعموم لا بالنصوصيّة.
ثمّ اللبيب يتفطّن ممّا ذكرنا أنّه في كلّ واحد من الصور المذكورة التي يتحقّق فيها التعارض بين القول والفعل ، يمكن أن يتحقّق التعارض من كلّ وجه بينهما حتّى يكون المتأخّر ناسخا ، ويمكن أن يتحقّق التعارض من وجه بالعموم والخصوص مطلقا ، أو من وجه حتّى يكون أحدهما مخصّصا للآخر ، فتصير الصور أكثر. وفي كلّ صورة من صور النوعين الأوّلين يمكن أن يتعقّب المتأخّر المتقدّم ، كما إذا قال : « الفعل الفلاني واجب عليّ في وقت كذا » وتلبّس بضدّه في ذلك الوقت ، وأن يتراخى عنه ، كما إذا قال : « الفعل الفلاني واجب عليّ أبدا » وبعد مضيّ زمان تركه ، ففي الأوّل لا يتحقّق النسخ على مذهب من لم يجوّزه قبل الفعل ، وفي الثاني يتحقّق مطلقا. وحينئذ تتضاعف صور النوعين الأوّلين.
__________________
(١) صحيح البخاري ١ : ٤٤١ ، ح ١٢٤٩.
(٢) في ص ٣١٩.
(٣) حكاه العلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٢ : ٥٧٦.