وأمّا الثاني فبوجهين :
أحدهما : أنّ الحكم لمّا كان غايته قطع المنازعة لا يجوز نقضه لحاكم آخر ، بل يصير أصلا يجب أن ينفّذه غيره من الحكّام ما لم يخالف دليلا قطعيّا ، والفتوى يجوز نقضه لمفت آخر إذا خالف ما أدّى إليه اجتهاده ، وللمستفتين إذا لم يقلّدوه.
وثانيهما : أنّ حجّيّة كلّ حكم إنّما هي لمورده ، فلا تتعدّى إلى مثله وإن لم يتبدّل المتداعيان فيه ، بل لا بدّ فيه من حكم جديد من هذا الحاكم ، أو غيره.
والفتوى في مورد يعمّ حجّيّته لمثله وإن تبدّل المستفتي ، فكلّ فتوى يجوز أن يعمل به كلّ من بلغه إذا كان معتقدا للمفتي وإن لم يكن مستفتيا ، بل سمعه بواسطة أو بدونها ، ولا يتوقّف على فتوى جديد من هذا المفتي ، أو غيره.
والفرق الأخير يعمّ مطلق الحكم والفتوى ، سواء كانا من الإمام أو المجتهد. وأمّا الفرق الثاني (١) ، فيختصّ بالحكم والفتوى الصادرين عن المجتهد ؛ لأنّ فتوى الإمام لا يجوز نقضه كحكمه.
ويلخّص ممّا ذكر أنّ الحكم لا يجوز نقضه مطلقا (٢). ويشترط وجود حاكم لكلّ متداعيين في كلّ مورد ، ولا يكفي حكمه في مورد لمثله. والفتوى من الإمام في مورد لا يجوز نقضه ويجب العمل به على كلّ أحد في مثله ، ومن غيره في مورد يجوز نقضه والعمل به لمن سمعه في مثله بالشرط المذكور.
ثمّ إنّك قد عرفت (٣) أنّهما من مناصب الإمام ، إلاّ أنّ المجتهد لمّا كان نائبا عامّا من قبله فيتمكّن من التصرّف فيهما وفي كثير آخر من مناصبه ، كالتصرّف في أموال الأيتام والغائبين ، وغيره ممّا ضبط في كتب الفروع. وقد بقي بعض مناصبه مختصّا به لم يدخل تحت الإذن العامّ ، كالجهاد وغيره ، ويشترط فيه وجود الإمام ، أو إذنه الخاصّ ، ولا يجوز لنائبه العامّ التصرّف فيه.
__________________
(١) وهو أوّل الوجهين في الفرق بالخواصّ.
(٢) أي سواء كان من المعصوم أو غيره.
(٣) في ص ٣٢٥.