فثبت أنّ الصحيح من الحدود على قواعد العامّة ما ذكر أوّلا (١).
وأمّا على قواعد الإماميّة ، فلمّا كان الإجماع المعتبر عندهم ما دخل فيه المعصوم ، فيلزم أن يحدّ عندهم بما يدلّ على ذلك ، ولا يفتقر إلى قيد « هذه الامّة » وما يساوقه ؛ لأنّ كلّ زمان لا يخلو عندهم عن معصوم عليهالسلام ، وكلّ إجماع دخل فيه المعصوم فهو حجّة عندهم ، سواء كان من هذه الامّة أو غيرها.
فالصحيح من حدوده عندهم أن يقال :
إنّه اتّفاق رؤساء الدين ، أو أهل الحلّ والعقد في عصر على أمر ديني. وهذا إن اريد بأهل الحلّ والعقد من له دخل في الحكم إماما كان أو مجتهدا ، ولو اريد منهم المجتهدون أو ما هو أعمّ منهم ومن أهل الحلّ والعقد الدنيوي كأكابر العسكر ، لم يصحّ.
أو اتّفاق من يعتبر قوله في الأحكام الشرعيّة على أمر ديني.
أو اتّفاق جمع يعلم به أنّ المتّفق عليه صدر عن رئيس الامّة. وقس عليها ما شابهها.
والأخير وما شابهه أصحّ الحدود ؛ لأنّ حجّيّة الإجماع عندنا لكشفه عن قول المعصوم. فحقيقته اتّفاق يكشف عن دخول قول المعصوم ، لا اتّفاق المعصوم وغيره حتّى يكون موافقة المعصوم جزءا من الإجماع ، كما يلزم ذلك من غير الأخير ، إلاّ أنّه يمكن تصحيحه (٢) بأدنى عناية.
ثمّ إنّ تقييد الأمر بالدينيّ في بعض الحدود المذكورة بناء (٣) على أنّ بحث الاصوليّين عن الإجماع المتعلّق بالحكم الشرعي ، أو ما يجب أن يعتقد في نفسه ، وعدم تقييده به في بعضها لأجل أنّ كلّ ما صار مجمعا عليه فهو حقّ ، سواء كان من العقائد الدينيّة ، أو الفروع الشرعيّة ، أو غير ذلك ؛ لأنّه ممّا قال به المعصوم ، وكلّ ما قال به المعصوم يجب أن يعتقد ، ويصحّ الاحتجاج به على كلّ شيء إلاّ على ما يتوقّف العلم بوجوب وجود المعصوم عليه ؛ لاستلزامه الدور وهو الأصوب.
__________________
(١) راجع ص ٣٣٧.
(٢) أي غير الأخير.
(٣) مرفوع خبر لا مفعول له.