إلى الكتاب والسنّة وجود التنازع ، فإذا عدم وحصل الاتّفاق لم يجب الردّ إليهما ؛ قضيّة للشرط ، وكفى الاتّفاق وهو معنى كونه حجّة (١).
واجيب (٢) عنه بأنّ سقوط وجوب الردّ إليهما إمّا عند حصول الاتّفاق باعتبار الردّ إليهما ، أو عند حصوله لا باعتبار الردّ إليهما. فعلى الثاني يلزم تجويز وقوع الإجماع من غير دليل ، وعلى الأوّل يلزم أن يكفينا (٣) من غير حاجة إلى الإجماع (٤).
وفيه : أنّا نختار الثاني أوّلا ، ولا يلزم ما ذكر ؛ لأنّ حصوله من دلالة العقل ممكن (٥).
ونختار الأوّل ثانيا ، ونقول : لزوم الكفاية لا يستلزم عدم حجّيّة الإجماع ، ولا عدم فائدة فيه ، كما يعلم بعد ذلك.
وقيل : على الثاني يلزم ما ذكر ، وعلى الأوّل يلزم الحكم بسقوط طلب المحال ، وهو باطل.
وجه الملازمة : أنّ طلب الحكم من الكتاب والسنّة بعد ما وجد فيهما محال ، فالحكم بسقوطه يستلزم ما ذكر.
ووجه بطلان اللازم : أنّه عبث ، فلا يصدر عن الحكيم ، فالمراد من الآية الحثّ على طاعة اولي الأمر ، وهو كما ترى.
وقد احتجّوا ببعض آيات أخر (٦) تركناها ؛ لبداهة عدم دلالتها على مطلوبهم.
ومنها : قوله عليهالسلام : « لا تجتمع امّتي على الخطأ » (٧) وهو متواتر معنى ؛ لورود هذا المعنى في أخبار لا تحصى كثرة من طرق الفريقين. ودلالته على المطلب ظاهرة.
واعترض عليه (٨) بأنّ التواتر المعنوي شرطه استواء الطرفين والوسط ، ووجوده هنا ممنوع.
__________________
(١) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٢٨٦ ، ونهاية السؤل ٣ : ٢٤٨.
(٢) ذكره البصري بعنوان « لقائل أن يقول » في المعتمد ٢ : ١٦.
(٣) أي يكون الحجّة هو الدليل والردّ إلى الله والرسول لا الإجماع الحاصل من الردّ إليهما.
(٤) راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ١٧٩.
(٥) أي يلزم حصول الإجماع من غير دليل شرعي لا من غير دليل أصلا.
(٦) منها قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) ، آل عمران (٣) : ١٠٣.
(٧) تقدّم تخريجه في ص ٣٣٦.
(٨) ذكره البصري بعنوان « لقائل أن يقول » في المعتمد ٢ : ١٦.