ولو سلّم ذلك ، فلا نسلّم لزوم تواتر القدر المشترك ؛ لأنّه إنّما يلزم ذلك لو كان دلالة تلك الروايات على القدر المشترك بطريق القطع ، وهو ممنوع ؛ لأنّ القدر المسلّم ظهور دلالتها عليه ، فلا يلزم القطع بمعناها ، وذلك كالتواتر اللفظي الظاهر المعنى ؛ فإنّه وإن كان قطعيّ السند لكن لظنّيّة دلالته لا يقطع بمدلوله.
والجواب عن الأوّل : أنّ بعض هذه الأخبار وردت من طريق العامّة ، وبعضها من طريق الخاصّة ، ولا يمكن اتّحاد رواتهما حينئذ في طبقة من الطبقات. وما ورد في كلّ من الطريقين رواته مختلفة في جميع الطبقات إلاّ فيما شذّ ، كما لا يخفى على المتتبّع.
و [ الجواب ] عن الثاني : لا نسلّم ظنّيّة دلالة كلّ واحد منها ، ومع التسليم نقول : يحصل القطع بالقدر المشترك من المجموع ، وهو كاف للمطلوب.
ثمّ لو قطع النظر عن ذلك كلّه ، وقلنا : إنّها أخبار آحاد ، فما يخرجها عن الحجّيّة وإثبات أصل بها ، سيّما مع تلقّي الامّة لها بالقبول؟
واورد على دلالتها بأنّه إن اريد بالامّة جميع امّته ممّن كان ويكون إلى يوم القيامة ، لم يوجد إجماع ، وإن اريد به البعض ، دخل في حيّز المجمل فلا يفيد.
وجوابه : أنّ المراد من الامّة أهل كلّ عصر ، كما هو المتبادر. ويدلّ عليه أخبار أخر ، كقوله عليهالسلام : « لا تزال طائفة من امّتي متظاهرين على الحقّ » (١). وقوله عليهالسلام : « ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن » (٢). وقوله عليهالسلام : « من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه » (٣).
ثمّ تسليم دلالة هذه الأخبار على حجّيّة الإجماع لا ينافي ما قلنا به ؛ لأنّا موافقون للعامّة في حجّيّته ، إلاّ أنّهم يقولون : حجّيّته لأجل نفس اتّفاق جميع المجتهدين ، فلو خالف واحد منهم خرج عن الحجّيّة على ما يقتضيه قواعدهم ، إلاّ أنّهم اتّفقوا على أنّه يقدح فيه
__________________
(١) كنز العمّال ١٢ : ١٦٥ ، ح ٣٤٥٠١ ، و ٢٨٤ ، ح ٣٥٠٥٥ ، و ١٤ : ٤٦ ، ح ٣٧٨٩٣. وفيها : « ظاهرين » بدل « متظاهرين ».
(٢) الدرر المنتثرة : ٢٤٠ ، ح ٣٧٩.
(٣) كنز العمّال ١ : ١٧٥ ، ح ٨٨٦ ، و ٢٧٨ ، ح ١٣٧١.