والإيراد عليه بإمكان حصوله عن الظنّ ، وجوابه كما سبق (١).
ثمّ إنّه يرد عليه وعلى الدليلين السابقين عليه : أنّ غاية ما لزم منها حجّيّة الإجماع إذا بلغ عدد المجمعين حدّ التواتر وأفاد القطع ؛ لأنّ غيره ( لا يمتنع اجتماع جماعة على مدلوله بدون ) (٢) قاطع ، ولا يقطع بتخطئة مخالفه ، ولا تقدّم على قاطع ، فالمقصود منها إثبات حجّيّة الإجماع في الجملة (٣).
وما قيل : إنّ الدليل ناهض في إجماع المسلمين من غير تقييد ولا اشتراط ؛ فإنّهم خطّئوا المخالف ، وقدّموه على القاطع مطلقا من غير تعرّض لعدد التواتر (٤) ، ضعيف ؛ لأنّه لا ريب في اختلاف الإجماعات بإفادة بعضها القطع ، وبعضها الظنّ ، وتفاوت درجات العلم والظنّ كما يجيء مفصّلا (٥) ، والمفيد للظنّ كيف يقدّم على القاطع ويقطع بتخطئة مخالفه؟! بل هذه الأحكام خاصّة بما يفيد القطع.
ثمّ لا يخفى أنّه يحصل من تعاضد هذه الأدلّة وتراكمها العلم بحجّيّة الإجماع في الجملة. وهو إمّا الإجماع القطعي ، أو ما يشتمل على قول الحجّة ؛ لأنّك عرفت (٦) أنّ بعضها يدلّ على الأوّل وبعضها على الثاني ، وهما متلازمان ؛ لأنّ كلّ ما يفيد القطع يعلم اشتماله على قول الحجّة عندنا وعند العامّة أيضا ؛ لأنّ ما خالف فيه واحد من المجتهدين لا يكون قاطعا عندهم ، فكيف بالمعصوم؟ وكلّ ما علم اشتماله عليه يفيد القطع عندنا وإن لم يفد عند العامّة ، فهذه الأدلّة تشيّد أركان ما ذهب إليه أصحابنا (٧).
وممّا يثبت ما ذهبنا إليه أنّ معظم العامّة ذهبوا إلى أنّه لا يمكن أن ينعقد إجماع من غير مستند (٨).
__________________
(١) ص ٣٤٦.
(٢) في « ب » بدل ما بين القوسين : « لم يتحقّق فيه اجتماع الخلق العظيم ، ولا يفيد القطع حتّى يستحال وقوعه من دون ».
(٣) راجع شرح مختصر المنتهى ١ : ٥٣.
(٤) راجع منتهى الوصول : ٥٣.
(٥) في ص ٣٦٦.
(٦) في ص ٣٤٤.
(٧) راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ١٨٩.
(٨) راجع : منتهى الوصول : ٦٠ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١٣٧.