نعم ، هو حجّة لحجّيّة الظنّ في الشرعيّات. ويمكن أن يقال : حصوله عن الظنّ ينافي قطعهم به مع كونهم من أهل التحقيق.
واورد عليهما (١) بأنّكم أثبتّم الإجماع بنصّ يتوقّف عليه (٢) ، فيلزم الدور (٣).
وجوابه : أنّا أثبتنا حجّيّة مطلق الإجماع بنصّ دلّ عليه وجود كلّ واحد من الإجماعات أو صورة منها ، وثبوت هذا النصّ ووجود ما دلّ عليه لا يتوقّف على حجّيّة الإجماع ؛ لأنّ وجود الدالّ ودلالته على النصّ ـ نظرا إلى امتناع انفكاكه عنه عادة ـ ممّا لا ريب فيه وإن لم نقل بحجّيّة إجماع أصلا ، فما اخذ دليلا للحجّيّة لا يتوقّف عليها بوجه ؛ فاندفع الدور.
ثمّ إنّ إيراد الدور على الدليل الأخير بنحو ما ذكر مبنيّ على ما هو الظاهر منه من إثبات حجّيّة الإجماع بقاطع دلّ عليه صورة الإجماع. ولو حمل على أنّ المراد منه إثبات حجّيّة الإجماع بإجماع معيّن لا ينفكّ عن دليل ، فبيان الدور حينئذ أنّكم أثبتّم الإجماع بالإجماع.
ووجه دفعه : أنّا أثبتنا حجّيّة مطلق الإجماع بوجود إجماع معيّن لا ينفكّ عن دليل عادة ، وهو لا يتوقّف على حجّيّة إجماع أصلا.
ومنها : أنّهم أجمعوا على أنّ الإجماع يقدّم على القاطع ، وأجمعوا أيضا على أنّ غير القاطع لا يقدّم على القاطع ، فلو لم يكن الإجماع قاطعا ، لزم تعارض الإجماعين وهو باطل (٤).
واورد عليه : بإمكان كون غير قاطع في نفس الأمر قاطعا باعتقادهم ، فلا يلزم ما ذكر (٥).
وفيه : أنّ ذلك يقتضي حصوله عن شبهة ؛ إذ لو كان عن قاطع كان قاطعا في نفس الأمر أيضا. والحاصل عن شبهة لا يقطع الجمّ الغفير من المحقّقين بتقدّمه على القاطع ، فيلزم أن يكون عن قاطع ، فيكون قاطعا في نفس الأمر.
__________________
(١) أي على الوجهين العقليّين لحجّيّة الإجماع. أورده القاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ٥٣.
(٢) أي يتوقّف النصّ على الإجماع.
(٣) ذكره ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٥٣.
(٤ و ٥) راجع شرح مختصر المنتهى ١ : ٥٣.