له حقّا ، ومنه يثبت حجّيّة الإجماع (١).
واعترض عليه (٢) بمثل ما اعترض على سابقه.
وربما يدفع عنهما بعدم صدق الإجماع على اتّفاقهم ، كما عرفت (٣) من تحديده.
وفيه : أنّ ما احتجّوا به على حجّيّته يجري في اتّفاقهم أيضا من دون تفاوت ، وإن لم يصدق الإجماع المعرّف عليه.
وقد اجيب (٤) عن النقض باتّفاق اليهود والنصارى : بأنّهم تبعوا الآحاد من متقدّميهم ؛ لعدم تحقيقهم ، ولذا لم يصل إجماع منهم حدّ الضرورة ، كما اتّفق ذلك في إجماعات المسلمين. فالإجماعات القطعيّة لا يمكن أن تحصل عن شبهة ، وما لم يبلغ حدّ القطع يمكن حصوله منها ، كإجماع اليهود والنصارى وبعض إجماعاتنا.
وعن النقض باتّفاق الفلاسفة بإمكان الاتّفاق على الغلط في العقلي دون الشرعي ؛ فإنّ اشتباه الصحيح بالفاسد في الأوّل كثير والتمييز صعب ، بخلاف الثاني ؛ فإنّ الغلط فيه من جهة اشتباه القاطع بالظنّي ، والتمييز بينهما سهل.
ويرد عليه : أنّ الشرعي قد يكون عقليّا ، كأكثر المقاصد الكلاميّة ، فيلزم عدم حجّيّة الإجماع فيه.
والصحيح أن يجاب عنه بأنّ اتّفاق الفلاسفة إنّما يحصل في المسائل الغامضة بسبب الأدلّة العقليّة ، وامتياز الصحيح عن الفاسد فيها بها صعب جدّا ، بخلاف اتّفاق المجتهدين في الشرعيّات ، فإنّه يحصل فيها بمجرّد قول الشارع وإن كان مفيدا للظنّ ؛ وفهمه سهل.
ثمّ إنّه اورد عليهما (٥) بأنّا لا نسلّم لزوم كون إجماعهم عن قاطع ؛ لأنّه كما ينعقد عن القطعي ، يحصل عن الظنّي أيضا. ووجهه ظاهر. وحينئذ لا يفيد القطع.
والقول بأنّ مستنده وإن كان ظنّيّا لكن بعد انعقاده يفيد القطع ، ضعيف ، كما لا يخفى.
__________________
(١) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٥٣.
(٢) حكاه ابن الحاجب في المصدر.
(٣) ص ٣٣٦.
(٤) أجاب به ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٥٣.
(٥) أي على الوجهين العقليّين لحجّيّة الإجماع أورده القاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ٥٣.