سواء تعارضت فيما اتّفقوا عليه أدلّة أخر أو لا ، وسواء وجد له شاهد أو معارض منها أو لا.
ثمّ إنّك قد عرفت فيما سبق (١) اختلاف مراتب الإجماعات في العلم بها ، فمنها : قطعيّ بديهيّ ، ومنها : قطعيّ نظريّ ، ومنها : ظنّيّ ؛ فيتبعها العلم بدخول قوله أيضا في ذلك ، ويختلف مراتبها فيه أيضا. ففي الأوّل يكون العلم بدخول قوله بديهيّا ، وفي الثاني قطعيّا نظريّا ، وهكذا.
[ الطريق ] الثاني : ما ذهب إليه معظم المحقّقين (٢) ، وهو أنّه إذا علم اتّفاق جمع من الفقهاء على حكم علم أنّهم أخذوه من قدوتهم ؛ لأنّه يمتنع عادة اتّفاق طائفة من خواصّ رئيس على حكم من غير أن يصدر عنه ، سواء كانوا جميع خواصّه أو بعضهم ، بعد أن علم أنّهم لا يرون الحجّة إلاّ في قوله ، ولا يقولون إلاّ عن رأيه.
وهذا يجري فيما يجري فيه الطريق الأوّل ، وفي غيره ممّا شكّ فيه في وجود مخالف مجهول النسب له ، بل فيما ظنّ أو علم له ذلك أيضا ، إلاّ أنّ هذا ليس كلّيّا بحيث كلّما علم اتّفاق جمع حصل منه العلم بدخول قوله عليهالسلام ، بل يختلف ذلك باختلافهم في الفتوى والورع ، فربّما حصل من اتّفاق ثلاثة أو اثنين ، وربّما لم يحصل من اتّفاق خمسين ، ويختلف ذلك بالنسبة إلى العاملين أيضا.
فالمناط على هذا الطريق اتّفاق يعلم أنّ المتّفقين لا يجزمون بحكم من غير أخذه عن قدوتهم ، ولذا لا يقدح فيه مخالفة معروف النسب ومجهوله ، ولا يشترط وجود مجهول النسب فيهم.
ويمكن انعقاد مثله في زمان الحضور ؛ لأنّه إذا اتّفق فضلاء أصحاب الصادق عليهالسلام ـ مثلا ـ على حكم يمكن حصول العلم لبعض بأنّهم أخذوه منه عليهالسلام وإن خالفهم بعض ، وفي زمان الغيبة أيضا ؛ لأنّه إذا أجمع جماعة من متقدّمي أصحابنا ومتأخّريهم على حكم مع تطابق أقوالهم على أنّ الإجماع من حيث هو ليس حجّة ، بل حجّيّته لكشفه عن الحجّة ـ كما
__________________
(١) في ص ٣٤٩.
(٢) منهم : الشيخ في العدّة في أصول الفقه ٢ : ٦٠٢ ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٢٦ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢١١.