القائل به لم يقل بأنّه يجب على الإمام أن يعرّفهم نفسه ويردّهم ، بل اكتفى بمجرّد ظهور قول منه بخلاف ما أجمعوا عليه ، وهو يتحقّق بنصّ منه ، وبمخالفة فقيه جهل أو عرف (١).
لا يقال : الأخبار الواردة في هذا الباب تدلّ على أنّ الأرض لا تخلو في كلّ زمان عن حجّة لئلاّ يقع الناس في باطل وضلالة (٢) ، فيلزم منه حقّيّة ما استمرّ بينهم ، ونحن نرى أحكاما إجماعيّة خالف فيها فقيه ، أو ورد خبر على خلافها ، ومع ذلك استمرّت من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا ، ولو لم تكن صحيحة وكان مخالفة الفقيه ، أو ورود الخبر إلقاء الخلاف منه عليهالسلام ، لكان اللازم رجوعهم منها.
لأنّا نقول : وإن دلّ بعضها في بادئ النظر على ذلك ، إلاّ أنّه يخالف ما هو الظاهر من عدم وجوب الردّ القهريّ عليه ؛ لأنّ شأنه إراءة الطريق ، فيجب حملها على أنّ المراد منها أنّ الأرض لا تخلو عنه ليعرف الناس الحقّ والباطل ، كما يدلّ عليه بعض آخر منها.
نعم ، يمكن أن يقال حينئذ : إنّ إلقاء الخلاف على النحو المذكور (٣) لا يكفي في إراءة الطريق ؛ لأنّ دأب الفقهاء عدم الاعتناء بمخالفة واحد سيّما إذا كان معروف النسب ، والحكم بشذوذ خبر خالف الإجماع ولزوم طرحه. وعلى هذا لا يضرّ شيء منهما (٤) بهذا الطريق.
ولكنّ أصل الطريق لا يخلو عن مناقشة ؛ لأنّه يفهم من هذه الأخبار وجوب وجود الإمام في كلّ عصر لهداية الناس إلى جميع الأحكام على ما هي عليه في الواقع ، بحيث لا يزاد شيء فيها ولا ينقص شيء عنها ، ولا يهمل شيء عنها ، وهذا كما يدلّ على أنّه لا يتركهم أن يجتمعوا على الخطأ ، يدلّ على أنّه يدفع عنهم الخلاف بحيث لا يرتابوا في شيء منها ، ويقيم كلّ واحد من حدود الله وأحكامه بحيث لا يعطّل شيء منها ، مع أنّا نرى أنّ جلّ الأحكام الإلهيّة معطّلة ، كالحدود ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والمسائل الخلافيّة المشكلة كثيرة ، والإشكال في بعضها بلغ حدّا حارت فيه الأنظار ، ولا يكاد يهتدي
__________________
(١) حكاه الشيخ في العدّة في أصول الفقه ٢ : ٦٠٣.
(٢) راجع الكافي ١ : ١٧٨ ـ ١٨٠ ، باب أنّ الأرض لا تخلو عن حجّة.
(٣) أي مخالفة فقيه أو ورود نصّ.
(٤) أي مخالفة فقيه أو ورود خبر.