التعريف باعتبار الإشارة ، والتكرار ، والترديد بالقرائن ، كما في الأطفال يتعلّمون اللغات.
وذهب بعض إلى أنّ القدر المحتاج إليه في معرفة الاصطلاح توقيفيّ والباقي اصطلاحيّ (١).
وذهب جمع إلى التوقّف (٢).
والحقّ المذهب الثاني ؛ لأنّا نعلم بالبداهة أنّ كثيرا من اللغات حدثت من الناس في وقت لم يكن بينهم نبيّ ، ولم يدّع أحد استماع صوت ، ولا علما ضروريّا بأنّ هذا موضوع لذاك.
نعم ، يمكن القول بإلهام بعض الناس بأن يضع (٣) هذا اللفظ لهذا المعنى ، لا بأنّ هذا اللفظ وضعه الله لهذا المعنى ؛ لأنّه لم يدّع أحد ذلك ، ولو كان الأمر كذلك لسمع أو نقل ادّعاؤه من أحد.
وبالجملة ، هذا خلاف المعتاد ، ونحن نرى أنّ لغة واحدة تتغيّر بحيث تخرج عن الوضع الأوّل ، كما هو ظاهر من لغة العرب والفرس ، وهذا التغيير والتبديل لا شكّ في استناده إلى البشر. وبالجملة ، استناد وضع اللغات إلى البشر أمر يدلّ عليه الوجدان ، ويقتضيه المشاهدة والعيان.
واستدلّ على هذا المذهب أيضا بقوله تعالى : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ )(٤).
ووجه الاستدلال به : أنّه دلّ على أنّ لكلّ قوم لغة سابقة على إرسال الرسول إليهم. والتوقيف يقتضي كون اللغات مسبوقة بإرسال الرسل (٥).
وأجيب عنه : بمنع استلزم التوقيف مسبوقيّة اللغات بالإرسال ؛ فإنّ الله علّم آدم اللغات ـ كما تدلّ عليه آية التعليم (٦) ـ وعرّفها آدم لذرّيّته ، ولمّا جاء كلّ رسول إلى قومه ، كان لهم
__________________
(١) نسبه الآمدي إلى الإسفرايني في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١١١.
(٢) نسبه الفخر الرازي إلى جمهور المحقّقين في المحصول ١ : ١٨٢ وهو مختاره أيضا في ص ١٩٢.
(٣) في « أ » : « يوضع ».
(٤) إبراهيم (١٤) : ٤.
(٥) نسبه الفخر الرازي إلى أبي هاشم وأتباعه في المحصول ١ : ١٨٧ ـ ١٨٨.
(٦) البقرة (٢) : ٣١.