أو بالعكس ، مثل : « حرّمت الخمر » ؛ فإنّ حرمة الخمر حكم له قد ذكر ، واستنبط وصفه ، وهو الشدّة المطربة (١). فقد اختلف في كونه إيماء على أقوال ، ثالثها التفصيل بأنّ الأوّل إيماء دون الثاني (٢).
قيل : إن اكتفي في تفسير الإيماء بأنّه مجرّد الدلالة على الشيء بالالتزام ، يكون أجود الأقوال أوّلها ؛ لأنّها تتحقّق من مطلق اقتران الحكم بالوصف ، سواء كانا مذكورين ، أو أحدهما مذكورا والآخر مقدّرا ؛ فإنّ حلّ البيع لمّا ذكر صريحا وعلم بالاستنباط أنّ الصحّة لازمة له ، تحقّقت الدلالة الالتزاميّة على علّيّته لها ، وكذا لمّا ذكر حرمة الخمر صريحا وعلم بالاستنباط أنّ الإسكار ملزوم لها ، تحقّقت الدلالة الالتزاميّة على علّيّته لها.
وإن لم يكتف به وقيل : هو الدلالة المذكورة الحاصلة من اقتران الحكم بالوصف بشرط كونهما مذكورين (٣) ، فخير الأقوال أوسطها. ووجهه ظاهر.
أقول : لا ريب في تحقّق الدلالة الالتزاميّة على التعليل من مطلق الاقتران ، إلاّ أنّ الوصف والحكم إن كانا مذكورين في كلام الشارع ، يحصل الدلالة المذكورة من كلامه ، ويتحقّق الإيماء منه. وإن كان أحدهما في كلامه مذكورا والآخر مقدّرا ، فهي ليست حاصلة من كلامه ؛ لأنّ المذكور إن كان هو الحكم فقط ، فمن أين يعلم أنّ علّته عنده هو الوصف الذي استنبط؟! وإن كان الوصف فقط ، فمن أين يعلم أنّه علّة عنده للحكم المستنبط؟! فلا يحصل الإيماء منه على التعليل ، مع أنّ الإيماء المعتبر هو الذي حصل منه ، فإنّ مجرّد الدلالة الالتزاميّة يتحقّق من وصف وحكم لم يكن واحد منهما مذكورا في كلام الشارع ، واستخرجهما المجتهد ابتداء من عند نفسه ، مع أنّها ليست من الإيماء المعتبر وفاقا.
فالحقّ أنّ الإيماء هو الدلالة الحاصلة من اقتران الحكم بالوصف بشرط كونهما مذكورين ، ولولاه لم يتميّز طريق الاستنباط من الإيماء ؛ لأنّه يدخل حينئذ جميع العلل والأحكام المستنبطة في الإيماء ، ولا يتحقّق استنباط ليس بإيماء.
__________________
(١) في « ب » : « المطلوبة ».
(٢) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٨٨.
(٣) المصدر : ٢٨٥.