ورابعها : الحجّيّة إذا كان هناك شاهد حال يدلّ على سقوط اعتبار ما عدا تلك العلّة (١).
احتجّ المثبت مطلقا بوجوه :
منها : أنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح الخفيّة والشرع كاشف عنها ، فإذا نصّ على العلّة عرف أنّها الباعثة والموجبة لذلك الحكم ، فأينما وجدت وجب وجود المعلول (٢).
وجوابه : أنّ العلّة المنصوصة إنّما تكون موجبة ، إذا علم من نصّ أو تبادر أو غيرهما عدم مدخليّة خصوصيّة المحلّ ؛ فإنّ العلّة في قول الشارع : « حرّمت الخمر لإسكارها » (٣) يحتمل أن يكون (٤) الإسكار ، وأن يكون (٥) إسكار الخمر بحيث يكون قيد الإضافة إلى الخمر معتبرا في العلّة.
والإيراد عليه بأنّ تجويز ذلك يقتضي تجويز مثله في العلل العقليّة ـ بأن يقال : الحركة إنّما اقتضت المتحرّكيّة ؛ لقيامها بمحلّ خاصّ ، فالحركة القائمة بغيره لا تقتضي المتحرّكيّة ـ باطل ؛ لأنّ العلل العقليّة يترتّب عليها معلولاتها بالذات ، ولا يختلف اقتضاؤها لها بالوجوه والاعتبارات ، وأمّا العلل الشرعيّة ، فلكونها مبنيّة على الدواعي ، ووجوه المصالح يختلف بها اقتضاؤها لها ، فيمكن أن تكون موجبة لحكم في محلّ دون غيره. ومع قطع النظر عنه نقول : لا يجوز التعدّي عنه عندنا ؛ لصدق القياس عليه ، وثبوت الإنكار عن العمل به عن أئمّتنا عليهمالسلام (٦) بحيث لا يقبل المنع.
ومنها : أنّ قول الأب لابنه : « لا تأكل هذا الطعام ؛ لأنّه مسموم » يقتضي منعه عن أكل كلّ مسموم ، والسرّ فيه أنّ العلّة تفيد التعميم عرفا.
وجوابه : أنّ ذلك قد عرف بالقرينة ، وهي شفقة الأب المانعة عن تناول كلّ مضرّ ؛ فإنّها تقتضي عادة النهي عن كلّ ما يضرّ ؛ بخلاف أحكام الله ؛ فإنّها قد تختصّ ببعض
__________________
(١) قاله المحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٨٥ ، والفاضل التوني في الوافية : ٢٣٧.
(٢) قاله العلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٥١٠ ، وحكاه عنه الشيخ حسن في معالم الدين : ٢٢٧.
(٣) قول الشارع هنا مفروض ؛ لأنّه ليس بحديث ولكن ذكره الفخر الرازي في المحصول ٥ : ١١٧ ـ ١٢٠ ، والزركشي في البحر المحيط في أصول الفقه ٤ : ٢٨ ـ ٢٩.
(٤ و ٥) التذكير باعتبار الخبر.
(٦) تقدّم تخريجه في ص ٤٥٤.