وجوابه : أنّ ذلك معلوم من القرينة وشاهد الحال ؛ فإنّ ترك ما يؤذي ممّا هو مركوز في الطباع ، والعقل حاكم بإلغاء خصوصيّة ذلك المؤذي دون غيره ، بخلاف الأحكام ؛ فإنّها قد تختصّ بمحالّ لامور خفيّة.
واحتجّ المفصّل الثاني (١) : أمّا على عدم حجّيّته عند عدم وجود شاهد حال يدلّ على سقوط اعتبار ما عدا تلك العلّة في ثبوت الحكم : فبما مرّ (٢) في جواب الحجّة الاولى للمثبت مطلقا.
وأمّا على حجّيّته عند وجوده ، فبأنّ تعدية الحكم حينئذ يصير برهانيّا (٣) ؛ إذ يحصل قضيّة كلّيّة يجعل كبرى القياس ، كقوله : « كلّ مسكر حرام » ويضمّ إليه صغرى سهلة الحصول ، كقولنا : « هذا مسكر » ويتمّ الدليل (٤).
أقول : الحقّ عندي هو المذهب الأخير ، إلاّ أنّه يجب تقييده بكون الدالّ على سقوط اعتبار ما عدا تلك العلّة مفيدا للقطع ، أو ما ثبت حجّيّته شرعا ، كنصّ ، أو عموم ، وأمثالهما. والسرّ فيه دلالة الطرق القطعيّة على بطلان مطلق القياس ، فإخراج بعض أفراده يفتقر إلى دلالة صالحة لنقل مثله ، ولا ينتهض مجرّد النصّ على العلّة حجّة للخروج عن القياس. ولذا صرّح محقّقو الفريقين بأنّ النصّ على العلّة لا يكفي في التعدّي دون التعبّد بالقياس (٥).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الفروع له كثيرة ، وقد تقدّم (٦) بعضها. وقس عليه أمثاله.
وعلى ما اخترناه لا يخفى جليّة الحال في الجميع.
فائدة : النصّ على علّة الحكم وتعليقه عليها مطلقا ، يوجب ثبوت الحكم أينما ثبتت
__________________
(١) راجع ص ٤٥٦.
(٢) تقدّم في ص ٤٥٦.
(٣) عدم التأنيث باعتبار كون التعدية مصدرا.
(٤) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٥٨ و ٥٩. وهو المفصّل الثاني كما أنّ المفصّل الأوّل هو أبو عبد الله البصري. فإنّهما فصّلا المسألة على قسمين.
(٥) راجع : المحصول ٥ : ١١٧ ، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ٤ : ٥٨ ، وتهذيب الوصول : ٢٥١ ، ونهاية السؤل ٤ : ٢٣ ، ومعارج الاصول : ١٨٥.
(٦) آنفا.