أو ما تركّب من بعضها أو جميعها ، أو الحكم مشروطا في الأصل بما ليس في الفرع ، أو ممنوعا في الفرع لمانع.
والجواب بأنّ الغالب في الأحكام تعليلها ، والأصل عدم عدّ الأوصاف المحصورة (١) ، ضعيف. هذا.
وعدم جواز الاستدلال بالسبر عندنا ظاهر ؛ لما عرفت (٢) من قطعيّة بطلان مطلق القياس ، إلاّ ما ثبت استثناؤه بالقطع أيضا. فغاية الأمر أن يفيد ظنّ العلّيّة ، وهو لا يقاوم القطع. وعلى هذا ، لو ثبت من الشرع حكم في أصل ـ كالربا في البرّ ـ يحكم بثبوته فيه ، ولكن لا يستند ثبوته فيه إلى الوصف المدّعى حتّى يثبت منه العمل بنفس السبر والتقسيم ، ويلزم منه بالطريق الأولى عدم جواز إثباته في محلّ آخر إذا كان هذا الوصف موجودا فيه حتّى يلزم العمل بقياس السبر.
إن قلت : قد اعترفت بحجّيّة تنقيح المناط في الجملة وهو راجع إلى السبر والتقسيم.
قلت : تنقيح المناط القطعيّ يرجع إلى التقسيم الحاصر ، والظنّيّ إلى المنتشر ، والأوّلان مقبولان ، والأخيران مردودان ، فلا منافاة.
احتجّ الخصم (٣) بأنّ كلّ حكم لا بدّ له من علّة ؛ للإجماع ؛ ولقوله تعالى : ( وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ )(٤) ، فإنّه يفيد أنّه ارسل بأحكام شرعت لمصالحهم ؛ إذ لو ارسل بحكم لا مصلحة فيه ، لكان إرسالا لغير الرحمة ، فهو يفيد التعميم ، فثبت منه المطلوب وهو تعليل كلّ حكم بعلّة. ولو سلّم انتفاء العموم فنقول : الغالب في الأحكام التعليل ، والفرد يلحق بالأعمّ الأغلب.
وإذا ثبت ذلك فنقول : القطع بتعيين العلّة غير ممكن ، فيكفي الظنّ به ، وهو يحصل بالسبر والتقسيم وبغيره من الطرق كالمناسبة والشبه والدوران ، فإذا ثبت ظهور علّيّة وصف لحكم شيء من هذه الطرق ، وجب اعتبارها والحكم بها ، إلاّ أنّ ذلك لا يتوقّف في المناسبة على
__________________
(١) الجواب للإسنوي في نهاية السؤل ٤ : ١٢٨.
(٢) في ص ٤٤٥.
(٣) قاله الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢١٧ و ٢١٨ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٨٩ ـ ٢٩١.
(٤) الأنبياء (٢١) : ١٠٧.