سبق العلم بكون الحكم معلّلا ، ثمّ تعيين العلّة بها ، بل مجرّد المناسبة كاف في ظنّ العلّيّة بخلاف غيرها.
ثمّ إفادة كلّ طريق للعلّيّة لمّا كانت فرع وجوده ، والسبر كان مركّبا من شقّين (١) : الحصر ، وحذف بعض الأوصاف وإبطال كونه علّة ، فوجوده (٢) فرع وجودهما ، فقالوا : لثبوت الأوّل (٣) يكفي التصفّح التامّ عن أوصاف الأصل وعدم الظفر على غير ما ظفر به ، لحصول الظنّ حينئذ بعدم غيرها ؛ لأنّ الغالب أنّ الأوصاف العقليّة والشرعيّة لا تخفى بعد الاستقراء ، مع أنّ الأصل عدم غيرها ، وإذا قال المجتهد في بيانه : بحثت فلم أجد سوى هذه الأوصاف والأصل عدم غيرها ، يصدّق ، بل يصدّق (٤) وإن لم يعلّل بالأصل ؛ لعدالته وتديّنه.
وللثاني ثلاث طرق :
الأوّل : الإلغاء ، وهو بيان أنّ الحكم قد ثبت في الصورة الفلانيّة بدون الوصف المحذوف ، فعلم أنّه لا أثر له ، كما يقال في قياس الأرز على البرّ في الربويّة : القوت ليس بعلّة ؛ لأنّ الملح ربوي وليس بقوت.
الثاني : أن يكون الوصف طرديّا ـ أي من جنس ما علم من الشرع إلغاؤه في جميع الأحكام ـ كالطول والقصر ، أو بالنسبة إلى ذلك الحكم ، كالذكورة والانوثة في أحكام العتق.
الثالث : أن لا يظهر له مناسبة ، ولا يلزم على المناظر أن يبيّن عدم المناسبة بدليل ، بل يكفي له أن يقول : بحثت فلم أجد له مناسبة. فإن عارض المعترض وقال : الوصف المتبقّي أيضا كذلك ، فإن أوجبنا على المستدلّ بيان المناسبة ، انتقل من السبر إلى الإخالة ، وهو قبيح عند أهل النظر ، فيلزم التعارض والمصير إلى الترجيح. وحينئذ نقول : إن سبق من المعترض تسليم مناسبة كلّ من الوصفين لم يسمع منه منع مناسبة المستبقى بعد بيان المستدلّ نفي مناسبة المحذوف ؛ لكونه مانعا لما سلّمه. وإن لم يسبق منه ذلك ، فللمستدلّ
__________________
(١) كذا في النسختين. والأولى : « من الشقّين ».
(٢) أي وجود الطريق فرع وجود الحصر والحذف.
(٣) أي الحصر.
(٤) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٨٩ و ٢٩٠.