أنّه هل يتوقّف على وجود المقتضي ، أم لا؟ وقد وقع هذا الخلاف في تعليل العدمي بانتفاء الشرط أيضا ، كتعليل عدم صحّة البيع بعدم رؤية المبيع. فهنا مقامان :
[ المقام ] الأوّل : في تعليل الوجودي بالعدمي.
والحقّ فيه ما ذهب إليه الأكثر (١) ؛ لأنّا نرى أنّ العدميّات تكون مؤثّرة في بعض الأفعال الوجوديّة ؛ فإنّ عدم امتثال العبد أمر سيّده يكون باعثا على مؤاخذته.
والجواب بأنّ الباعث هو الكفّ عن الامتثال وهو أمر ثبوتي محقّق (٢) ، ضعيف ؛ فإنّ تأويل جميع الأعدام المقيّدة بالامور الثبوتيّة ممكن ، ففتح هذا الباب يؤدّي إلى رفع العدميّات رأسا.
احتجّ الخصم بأنّ العلّة يجب أن تتميّز ، والأعدام لا تتميّز.
وبأنّه لا يجب على المجتهد سبرها ، مع أنّه يجب عليه سبر كلّ وصف يصلح أن يكون علّة.
وبأنّ العلّيّة وجوديّة ؛ لأنّها نقيض اللاعلّيّة المحمولة على العدم ، فيمتنع اتّصاف المعدوم بها.
وبأنّه لم يسمع أحد يقول : العلّة كذا ، أو عدم كذا.
وبأنّ العدم لو كان علّة لحكم وجودي لكان مناسبا له ، أو مظنّة مناسب ؛ لأنّ العلّة بمعنى الباعث ، فهي إمّا نفس الباعث وهو المناسب ، أو ما يشتمل عليه وهو مظنّة. واللازم باطل ؛ لأنّ العدم المطلق لا يكون مناسبا ولا مظنّة ؛ لاستواء نسبته إلى الجميع ، والعدم المخصّص بأمر يضاف إليه هو كذلك ؛ لأنّ ثبوت الحكم مع وجود ذلك الأمر إن كان منشأ لمصلحة ، فعدمه لا يكون مناسبا له ولا مظنّة ؛ لاستلزامه فوات تلك المصلحة ، وإن كان منشأ لمفسدة ، فيكون هذا الأمر مانعا وعدمه عدم المانع ، وهو لا يصلح لأن يكون علّة بمعنى الباعث أو ما يشتمل عليه ، بل لا بدّ معه من مقتض (٣).
__________________
(١) تقدّم آنفا.
(٢) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٣١.
(٣) قاله الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٩٦ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٢٩٦.