هذا إذا كان وجود هذا الأمر ـ إذا ترتّب عليه الحكم ـ منشأ لمصلحة أو لمفسدة حتّى يكون عدمه في بادئ الرأي مناسبا ، فيحتاج نفيه إلى البيان المذكور.
وإن لم يكن كذلك ، فإمّا أن يكون وجود هذا الأمر نقيضا للمناسب حتّى يلزم أن يكون عدمه مظنّة المناسب ، أي مستلزما لوجوده ، أو لا.
فعلى الأوّل لا يصحّ تسليم تحقّق اللازم المذكور ، أي جعل عدم نقيض المناسب مظنّة المناسب ؛ لأنّ المناسب إن كان ظاهرا تعيّن للعلّيّة بنفسه ، ولا يحتاج إلى مظنّة ، وإن كان خفيّا فنقيضه خفيّ ، فعدم النقيض خفيّ أيضا ، فلا يصلح أن يكون مظنّة ؛ لأنّ الخفيّ لا يعرّف الخفيّ.
وعلى الثاني كان وجود ذلك الأمر كعدمه بالنسبة إلى الحكم ، فالمناسب يحصل عند وجوده ، كما يحصل عند عدمه ، فيكون وجوده وعدمه سواء في تحصيل المصلحة ؛ لأنّ المفروض أنّ وجوده ليس منشأ لمصلحة ولا لمفسدة ، فلا يكون عدمه خاصّة (١) مظنّة للمصلحة ، فلا يصلح أن يكون علّة.
مثاله : إذا قيل في المرتدّ : يقتل لعدم إسلامه ، فذلك إمّا لأنّ قتله مع الإسلام يشتمل على مصلحة ، فعدمه يستلزم فواتها ، فلا يكون مناسبا. أو على مفسدة ، فغايته أنّ الإسلام مانع حينئذ للقتل ، فعدمه ليس باعثا له ، بل لا بدّ من وجود المقتضي له ، وإن لم يشتمل على شيء منهما ، فإمّا أن يكون الإسلام منافيا لمناسب القتل وهو الكفر مثلا ، أو لا.
فعلى الأوّل إن كان الكفر ظاهرا ، فهو العلّة بالحقيقة دون عدم الإسلام. وإن كان خفيّا ، فالإسلام كذلك فعدمه أيضا كذلك ، فلا يصلح أن يكون معرّفا للكفر.
وعلى الثاني لا يكون الكفر مناسبا ، بل المناسب أمر آخر يجتمع مع الإسلام وعدمه ، فهما سواء في تحصيل المصلحة ، فلا يكون عدمه علّة.
ولا يخفى أنّ هذا الدليل مذكور في كتب القوم بتقريرات مختلفة ، وما ذكرناه أبعدها عن الفساد ، ومع ذلك فاسد ؛ لأنّه ـ مع عدم تماميّة ورود ما يأتي عليه ـ مختلّ النظام ؛ لأنّه جعل وجود الأمر المذكور فيه منشأ مصلحة أو مفسدة ، أو منافيا لمناسب أو لا ، وهذه أربعة
__________________
(١) في « ب » : « خاصّيّة ».