ومنها : أن لا تعود على الأصل بالإبطال ، أي لا يلزم منها إبطال الحكم المعلّل بها. وإنّما يتصوّر ذلك في حكم ثبت من الشرع من غير نصّ على علّته ، واستنبطت له علّة يلزم منها إبطال هذا الحكم ، فهذا الشرط يختصّ بالعلّة المستنبطة (١) ، فهو يتأتّى عند العامّة لا عندنا. مثاله قال عليهالسلام : « في أربعين شاة شاة » (٢). وعلّلوه بدفع حاجة الفقراء ، فجوّزوا قيمتها ، فيرجع هذا التعليل إلى عدم وجوب الشاة وهو إبطال للحكم ، فهو باطل (٣).
قيل : فيه نظر ؛ لأنّه يرجع إلى الوجوب التخييري ، فلا يلزم إبطال الوجوب مطلقا (٤).
وهو كما ترى.
واحتجّوا عليه بأنّ الحكم أصل التعليل ؛ لأنّه فرع ثبوته ، وبطلان الأصل يوجب بطلان الفرع ، فلا يجتمع صحّته (٥) مع بطلانه ، فكلّ علّة استنبطت من حكم ولزم منه بطلان ذلك الحكم فهو باطل (٦).
وممّا يتفرّع عليه عدم جواز الحطّ عن المكاتب عندهم بدلا عن الإيتاء (٧) بالمأمور به في قوله تعالى : ( وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ )(٨) ، مع أنّهم جعلوا علّة الإيتاء بالاستنباط الرفق ، وهو في الحطّ أكثر من الإعطاء ، ثمّ الردّ (٩) ؛ لأنّ هذا التعليل أفضى إلى عدم وجوب إعطاء مال الله مع كونه مأمورا [ به ](١٠) ، وهو عندنا واجب مع حاجة المكاتب ، ووجوب حقّ كالزكاة على المولى ، وإلاّ فمستحبّ.
__________________
(١) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٦٧ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٣٠٢.
(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ ، ح ١٥٧٢ ، والكافي ٣ : ٥٣٤ ، باب صدقة الغنم ، ح ١.
(٣) قاله الأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٣٠٢ و ٣٠٣.
(٤) حكاه المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٣٠٢ و ٣٠٣ ، وقاله ابن قدامة في المغني ٤ : ٥١ و ٥٢ ، الرقم ٤١٢.
(٥) أي صحّة التعليل.
(٦) قاله المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٣٠٢ ـ ٣٠٤ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٦٧ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٣٠٢ ـ ٣٠٨.
(٧) في « ب » : « الإتيان ».
(٨) النور (٢٤) : ٣٣.
(٩) راجع التفسير الكبير ١٢ : ٢١٩ ، ذيل الآية ٣٣ من النور (٢٤).
(١٠) أضفناه للضرورة.