الحقّ عدم التوقّف ؛ لأنّهما إذا أثّرا في عدم الحكم مع وجود المقتضي للحكم ، فتأثيرهما فيه بدونه أولى ؛ لعدم المعارض.
احتجّ الخصم بأنّه إذا لم يوجد مقتض ، فعدم الحكم لذلك ، لا لوجود المانع ، أو انتفاء الشرط ، وبأنّ التعليل المذكور يتوقّف على وجود المقتضي عرفا ؛ فإنّ من قال : الطير لا يطير ؛ لأنّه في القفص ، كان تعليله موقوفا على العلم بحياة الطير وقدرته ؛ إذ بدونه لا يصحّ التعليل بالقفص (١).
والجواب عن الأوّل : أنّ إسناده إلى عدم المقتضي لا يمنع من إسناده إلى وجود المانع ، أو انتفاء الشرط ؛ فإنّه يجوز أن يكون لحكم أدلّة متعدّدة.
و [ الجواب ] عن الثاني : منع التوقّف عرفا ؛ فإنّ العرف يمنع الحضور إلى سبع مرئيّ في الطريق وإن لم يخطر ببالهم سلامة أعضائه.
ومنها (٢) : أن لا تتأخّر عن حكم الأصل ، كتعليل إثبات الولاية للأب على الصغير الذي عرض له الجنون بالجنون ؛ فإنّ الولاية ثابتة قبل عروض الجنون ، وكتعليل نجاسة عرق الكلب باستقذاره ؛ فإنّ الاستقذار إنّما يحصل بعد الحكم بنجاسته.
واحتجّوا عليه بأنّ العلّة إمّا بمعنى الباعث ، ويلزم من تأخّرها ثبوت الحكم بغير باعث ، أو بباعث غير العلّة المتأخّرة. أو بمعنى الأمارة ـ أي المعرّف ـ فيلزم تعريف المعرّف ؛ لأنّ المفروض معرفة الحكم قبل ثبوت العلّة (٣).
وفيه نظر ؛ لجواز أن تكون بمعنى الباعث ومتأخّرة في الوجود ، كما هو شأن الغاية ، وبمعنى الباعث ومعرّفة في الفرع ، وما عرّف بالنصّ هو الحكم في الأصل. فالحقّ جواز كون العلّة متأخّرة.
__________________
(١) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٣٢٦.
(٢) أي شروط العلّة.
(٣) قاله الغزالي في المستصفى : ٣٢٧ ، والفخر الرازي في المحصول ٥ : ٣٦١ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٦٤ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٣١٦ ـ ٣١٨.