واحدة منهما أو منها مستقلّة باقتضاء الحكم ، كإباحة وطء امرأة بعينها بالعقد والملك مع استقلال كلّ منهما بالعلّيّة ، ووجوب قتل شخص بعينه بالردّة والقصاص كذلك.
دون تعليل الواحد بالنوع ـ أي متغاير المحلّ ـ بهما كإباحة وطء امرأة بالعقد ، واخرى بالملك ؛ فإنّه جائز وفاقا ، ولا تعليل واحد منهما (١) بعلّتين ، أو علل يتركّب عنهما أو عنها مجموع هو العلّة ، وكلّ واحدة منهما أو منها جزؤها ، فإنّه بحث آخر يأتي ذكره (٢).
والمختار عند أكثر أصحابنا الجواز والوقوع في المنصوصة دون المستنبطة (٣).
والحقّ عندي أنّه يجوز فيهما ، إلاّ أنّه في المستنبطة على التسليم (٤) ، ولم يقع إلاّ في المنصوصة.
فهنا ثلاث مقامات :
[ المقام ] الأوّل : في الجواز فيهما
ويدلّ عليه أنّ العلّة إمّا معرّفة أو باعثة ، وعلى التقديرين لا مانع منه.
أمّا على الأوّل ، فلأنّه يجوز أن ينصب الشرع أمارتين أو أمارات لحكم واحد لا يناسبه شيء منهما أو منها ولا يؤثّره فيه ، ولكن كلّ منهما أو منها يصلح لتعريفه.
وأمّا على الثاني ، فلأنّ الباعث ليس إلاّ المؤثّر في الحكم باشتماله على جهة الحكم المناسبة له ، ويجوز أن يشترك علل مختلفة في جهة واحدة مناسبة لحكم واحد ، فكلّ منها يناسبه ويؤثّر فيه بهذه الجهة.
وبهذا يندفع ما احتجّ به المانعون من أنّه يوجب مناسبة الأشياء المختلفة لشيء واحد ، وهو محال (٥).
__________________
(١) أي الحكم الواحد من الواحد بالشخص والواحد بالنوع.
(٢) يأتي في ص ٥١٥ ـ ٥١٦.
(٣) أي لا الوقوع ولا الجواز. راجع تهذيب الوصول : ٢٦٣.
(٤) والمراد به أنّ الجواز في المستنبطة مبنيّ على تسليم تحقّق العلّة المستنبطة.
(٥) حكاه الباجي في إحكام الفصول : ٥٥٧ ، والفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، والآمدي عن القاضي أبي بكر وإمام الحرمين ( الجويني ) في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٥٨.