فإن قلت : على ما ذكرت يلزم جواز توارد العلل المستقلّة العقليّة على معلول واحد شخصي ، وقد بيّن في الحكمة بطلانه (١).
قلت : العلل العقليّة علل بالذات ، بمعنى أنّ ذات كلّ واحدة منها من حيث هي ـ من غير مدخليّة وجوه المصالح والاعتبارات ـ يستلزم معلولها استلزاما ذاتيّا ، فلا يكون علّيّتها لجهة مصلحة حتّى أمكن أن يشترك فيها عدّة منها ، أو تختصّ بمحالّ دون اخرى لأمر لا يدرك ، وتتغيّر بتغيّر المحالّ ، فيصحّ تعليل شيء واحد بها ، أو يجوز تخلّف المعلول في بعض المحالّ عنها.
والعلل الشرعيّة علل بالوضع ، فيصحّ (٢) أن يكون علّيّتها لوجه حكمة ، فيمكن أن يشترك فيه عدّة منها ، ويختصّ بمحالّ دون اخرى ، فيجوز تعليل حكم واحد بها وتخلّف المعلول عنها في بعضها.
نعم ، يمكن أن يشترك عدّة من العلل العقليّة المركّبة في أمر ذاتي أو عرضي ، وهو علّة مستقلّة لشيء ، فيصحّ تعليله بها وكون كلّ واحدة منها علّة له بهذه الجهة ، ولم يبيّن في الحكمة بطلان هذا القسم.
فإن قلت : فالعلّة حينئذ واحدة في الحقيقة ؛ لاستناد الحكم فيها بالحقيقة إلى ما به الاشتراك ، وهو واحد.
قلت : الأمر وإن كان كذلك إلاّ أنّ الشرع والعرف لمّا أطلقا العلّيّة عليها دون ما به الاشتراك ، فجرينا على إطلاقهما ، فلا معنى لتعدّد (٣) العلل هنا إلاّ ذلك ، وغيره لا يجوّزه (٤) ؛ ومنع التسمية يجعل النزاع لفظيّا.
[ المقام ] الثاني : في وقوعه في المنصوصة
ويدلّ عليه جعل الشارع كلّ واحدة من الردّة والقصاص علّة مستقلّة لقتل شخص
__________________
(١) حكاه ابن الباجي في إحكام الفصول : ٥٥٨ ، وكشف المراد : ١١٦.
(٢) في « ب » : « فيصلح ».
(٣) في « أ » و « ب » : « بتعدّد ». ولكنّ الصحيح ما أثبتناه.
(٤) أي العقل ، أو كون الكلمة « لا يجوز ».