واحد ، وكلّ واحد من أسباب الوضوء علّة مستقلّة له ، وكلّ واحد من الإيلاء والظهار علّة مستقلّة لتحريم امرأة واحدة ، وكلّ واحد من الصغر والجنون علّة كذلك لثبوت الولاية لشخص واحد. وغير ذلك ، كتحريم امرأة واحدة بالاعتداد ، والحيض ، وبالإرضاع ، وكونها والدة. ونظائرها كثيرة منتشرة في مصنّفات الفقه (١). ولا ريب أنّ الحكم فيها واحد بالشخص ؛ لاتّحاد محلّه ، وكلّ واحدة من العلل علّة مستقلّة له ؛ لثبوت الحكم به (٢) ، وهو معنى الاستقلال.
والإيراد بأنّا لا نسلّم كون الحكم فيها واحدا بالشخص مع أنّه هو المبحث ؛ لأنّ القتل بالردّة ـ مثلا ـ غير القتل بالقصاص ؛ فإنّ أحدهما قد يبقى وينتفي الآخر ، وبالعكس (٣) ، كما يبقى القتل بالردّة ، وينتفي القتل بالقصاص بالعفو ، وبالعكس بالتوبة ، وتغاير علّة العدم يستلزم تغاير علّة الوجود (٤) ، واه (٥) ؛ لأنّ أمثال هذه الاعتبارات لا توجب تعدّد الحكم المتّحد المحلّ. كيف؟! ولو تعدّد بها ، لتعدّد بإضافته إلى الأدلّة المختلفة ؛ لأنّ ما به الاختلاف فيما ذكر ليس إلاّ ذلك ، مع أنّ إضافته إلى أحد الدليلين تارة وإلى الآخر اخرى لا توجب التعدّد ، وإلاّ لزم مغايرة حدث البول لحدث الغائط ، وجاز أن ينتفي أحدهما ويبقى الآخر.
وبالجملة ، فتح هذا الباب يؤدّي إلى اختلاف الأحكام بصرير الباب ونعيق الغراب.
[ المقام ] الثالث : في عدم وقوعه في المستنبطة
وهو ظاهر ؛ لأنّ المراد من الوقوع وقوعه من الشرع لا من أهل الاجتهاد ، وإذا وقع منه ، يكون من التعليل في المنصوصة. هذا.
واحتجّ المانعون بأنّ المبحث توارد العلل المستقلّة على محلّ واحد (٦) ، وهو لا يتصوّر
__________________
(١) راجع : بداية المجتهد ١ : ٥٠ ، والتمهيد للإسنوي : ٤٨١ ، وتمهيد القواعد : ٢٦٧ و ٢٦٨ ، القاعدة ٩٥.
(٢) التذكير باعتبار الكلّ.
(٣) ليس لقوله : « وبالعكس » مجال هنا.
(٤) أورده الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٥٩ و ٢٦٠.
(٥) « واه » خبر لقوله : « والإيراد ».
(٦) فيه ردّ للمصنّف في تحرير محلّ النزاع ؛ فإنّ الملاك عند المصنّف وحدة محلّ الحكم وإن كان الحكم اثنين أو أكثر ، وعند هذا المانع هو وحدة المعلول ومورد العلّة ، فيرجع النزاع إلى كونه لفظيّا ومبنائيّا. وخلاصة المنع أنّ العلل لا بدّ وأن يكون كلّها مؤثّرا وكان تأثيرها بالاستقلال مع وحدة المعلول ، وفي كلّ فرض ينتفي أحد هذه الامور الثلاثة.