هنا ؛ لأنّها إمّا تقع بالترتيب مع حدوث الثانية بعد حصول الحكم بالاولى وزواله عن المحلّ ، كأن يحدث النوم بعد حدوث الحدث بالبول وزواله عن المحلّ ، فيتعدّد الحكم ؛ لأنّ الحادث غير الزائل ، أو قبل زواله عنه ، فيحصل الحكم بالاولى.
أو تقع دفعة ، فيحصل الحكم بالمجموع ، بأن يكون كلّ منها جزءا ، أو بواحد مبهم أو معيّن على (١) سبيل التحكّم أو الترجيح ، بأن يكون بعض منها أولى بالعلّيّة ، كما يقال : التعليل بالقصاص أولى من التعليل بالردّة عند اجتماعهما ؛ لتقدّم حقّ الآدميّ على حقّ الله.
ولا يمكن أن يحصل الحكم بكلّ واحدة منها على الاستقلال على التقديرين الأخيرين (٢) و (٣).
أمّا أوّلا : فللزوم التناقض من وجهين :
أحدهما : لزوم الاستقلال وعدمه ؛ لأنّ معنى استقلال العلّة ثبوت الحكم بها دون غيرها (٤) ، والفرض أنّه يثبت بغيرها دونها ؛ لاستقلاله أيضا.
وثانيهما : لزوم ثبوت الحكم بكلّ منها وعدمه ؛ إذ استقلال كلّ منها يوجب ثبوت الحكم به بدون الآخر ، فيثبت الحكم بكلّ ولا يثبت به.
وأمّا ثانيا : فللزوم اجتماع الأمثال في محلّ واحد ، أو نقض العلّة ، أو اتّحاد الاثنين ؛ لأنّ كلّ واحدة منها إن أوجب مثل ما يوجبه الآخر لزم الأوّل ، وإن أوجب خلافه أو لم يوجب شيئا لزم الثاني ؛ لوجود العلّة دون الحكم ، وإن أوجب ما يوجبه الآخر بعينه لزم الثالث ؛ لبداهة اثنينيّة ما يصدر عن الاثنين مع استقلال كلّ منهما فيما يصدره. وفي صورة الترتيب يلزم تحصيل الحاصل أيضا.
واجيب عنه : بأنّ كلّ واحدة منها علّة مستقلّة للحكم على جميع التقادير ، ولا يلزم ما ذكر ؛ لأنّه إنّما يلزم إذا كانت العلّة المستقلّة عقليّة وهي ما يفيد وجود شيء ، وأمّا إذا كانت شرعيّة ـ وهي ما يفيد العلم به ـ فلا ؛ لأنّها بمعنى الدليل ، ويجوز اجتماع الأدلّة على مدلول
__________________
(١) هذا قيد للمعيّن.
(٢) هما : وقوعها دفعة ، ووقوعها بالتدريج والترتيب مع عدم زوال الحكم الحادث بالاولى.
(٣) قاله الغزالي في المستصفى : ٣٣٦ و ٣٣٧ ، والفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٧١ و ٢٧٢.
(٤) ما ذكره هو معنى حصر العلّة دون استقلالها.