فيما عداه ، فلم يثبت مثل علّته المجهولة في أصل آخر ، ولذلك لا يصحّ القياس عليه وإن كان محلّ الفرع أعلى رتبة في المعنى المناسب من الصدق والتديّن من محلّه. أو لا يكون مستثنى عنها ، كأعداد الركعات ، ومقادير الحدود والكفّارات.
والثاني إمّا أن يكون له معنى ظاهر ، كترخّص المسافر ؛ فإنّ علّته السفر ؛ لما فيه من المشقّة ، ولكنّ هذا الوصف ـ وهو المعنى المقتضي للرخصة لما فيه من المشقّة ـ لم يوجد في محلّ آخر ممّا يشتمل على المشقّة وإن كانت فوق مشقّة السفر.
أو لا يكون له معنى ظاهر ، كالقسامة ؛ فإنّ علّتها التغليظ في حفظ الدماء ، لكنّه علم قطعا أنّه لم يوجد مثله في محلّ آخر. هكذا قيل (١).
ولا يخفى عليك أنّه إن كان المراد ـ على ما هو الظاهر من هذا الشرط ـ ثبوت مثل علّة حكم الأصل في محلّ آخر هو الأصل ، ففيه أنّ العلم بانتفاء ذلك لا يمنع من صحّة القياس عليه بعد وجود مثل علّته المنصوصة في محلّ الفرع ؛ لجواز انتفاء حكم وعلّته في سائر المحالّ بعنوان الأصالة ، وإمكان إتيانه في بعضها بالقياس.
وإن كان المراد ثبوت مثل علّته في محلّ آخر هو الفرع حتّى لو علم انتفاؤه في جميع ما عداه من الموارد ، لم يصحّ القياس ، ففيه أنّ ذلك مسلّم إلاّ أنّه ظهر من اشتراك كون العلّة وصفا جامعا مشتركا.
ومنها (٢) : أن لا يكون ذا قياس مركّب ، وهو أن يتّفق المتناظران على حكم الأصل من دون أن يكون منصوصا أو مجمعا عليه ، مع منع المعترض لعلّة الأصل ، أو لوجودها فيه. والأوّل مركّب الأصل ، والثاني مركّب الوصف.
مثال الأوّل : كما لو قال الشافعي في مسألة قتل الحرّ بالعبد : عبد فلا يقتل به الحرّ ، كالمكاتب ؛ فإنّ حكم الأصل ـ وهو عدم الاقتصاص من المكاتب ـ غير متّفق عليه بين الامّة ، وإنّما اتّفق عليه الشافعي والحنفي.
والحنفي يقول : علّة حكم الأصل عندي جهالة المستحقّ للقصاص من السيّد والورثة لا
__________________
(١) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢١٨.
(٢) أي شرائط حكم الأصل.