وما يقتضيه النظر أنّ الأقيسة العقليّة تختلف كما تختلف الأقيسة الشرعيّة ، فيفيد بعضها اليقين بالمطلوب ، وبعضها الظنّ به. والتفصيل لا يخفى على من أحاط بمباحث القياس وشرائطه.
ومنها (١) : أن لا يتناول دليله حكم الفرع ، وإلاّ لزم الترجيح بلا مرجّح ، كما إذا قيل : الذّرة ربويّة كالبرّ بجامع الطعم ، فيقال : قوله عليهالسلام : « لا تبيعوا الطعام بالطعام إلاّ يدا بيد سواء بسواء » (٢) يتناول ربويّة الذرة ، كما يتناول ربويّة البرّ ؛ لصدق الطعام عليها.
واعلم أنّ العلّة إن كانت منصوصة ، فدليل الحكم في الأصل هو دليل العلّة أي النصّ. وقد تقدّم (٣) اشتراط عدم تناول دليل العلّة بعمومه أو خصوصه لحكم الفرع ، مع ما فيه.
وإن كانت مستنبطة ، فدليله غير دليلها ؛ لأنّه دليله حينئذ هو عموم النصّ أو خصوصه ، ودليلها أحد مسالك الاستنباط. والمراد من دليله هنا ما يعمّ دليله في المنصوصة والمستنبطة. هذا.
والحقّ ، أنّ هذا الشرط غير لازم ؛ لما تقدّم (٤) من جواز إثبات حكم واحد بأدلّة متعدّدة ؛ لتقوية الظنّ من تعاضدها ، وقد كثر ذلك في كتب الفقه (٥) ، مع أنّه يجوز أن يكون دلالة الدليل على حكم الأصل الأقوى ، بأن يدلّ عليه بالمطابقة ، وعلى حكم الفرع بالتضمّن أو الالتزام.
ومنها : أن لا يكون معدولا به عن سنن القياس ، أي يكون بحيث يوجد مثل علّته في أصل آخر غير محلّه ، فلو علم انتفاء ذلك لم يصحّ القياس عليه ، ويقال له : إنّه معدول عن سنن القياس ، وهو إمّا أن لا يعقل معناه ، أو يعقل ولكن لا نظير له. والأوّل إمّا أن يكون مستثنى عن قاعدة كلّيّة مقرّرة ، كقبول شهادة خزيمة وحده ؛ فإنّه لا يعقل معناه وقد اخرج عن قاعدة الشهادة ، وعلم قطعا أنّه لم يخرج منها إلاّ هذا الفرد ، بل قطع بثبوت حكم خلافه
__________________
(١) أي شرائط حكم الأصل.
(٢) ذكره النووي في المجموع ١٠ : ٢٢.
(٣) تقدّم في ص ٥٠٣.
(٤) راجع ص ٥٣٦.
(٥) كشهادة خزيمة ، تقدير الركعات ، الحدود ، الكفّارات ، اليمين في القسامة وضرب الدية على العاقلة ، راجع جامع الاصول ١٠ : ١٩٥ ، و ١ : ٧٧.