مساويا لحكم الفرع الشرعيّ المطلوب إثباته ـ كما هو الغالب ـ لم ينعقد منه القياس ، وإن كان مساويا له انعقد ، إلاّ أنّه يبقى النظر في موضعين :
أحدهما : هل هو حينئذ قياس عقلي لكون أحد مقدّماته عقليّا ، أو شرعيّ لكون بواقيها شرعيّة؟ والظاهر فيه الإلحاق بالغالب.
وثانيهما : أنّه إذا كان عقليّا فهل يكون حجّة كما إذا كان شرعيّا ، أم لا؟
وتحقيقه يتوقّف على بيان ما بقي الكلام فيه ، وهو صحّة كون حكم الأصل لغويّا أو عقليّا ، إذا كان المطلوب إثبات حكم لغوي أو عقلي حتّى يكون القياس لغويّا أو عقليّا. فنقول : قد مرّ أنّ القياس لا يجري في اللغة ، وأمّا جريانه في العقليّات من الصفات والأفعال فلم يجوّزه جماعة (١) ؛ لأنّه لا يفيد أزيد من الظنّ ، وهو غير معتبر في المباحث العقليّة. وجوّزه أكثر المتكلّمين ، وعدّوا منه إلحاق الغائب بالشاهد (٢) في بعض الصفات ، كقياس الواجب [ تعالى ] على غيره في كونه عالما بعلم. أو بعض الأفعال ، كقياسه عليه في كون فعله بالاختيار ، وقالوا : لا بدّ فيه من جامع عقليّ ، وهو إمّا علّة ، كالوجود في قول الأشعري : الواجب موجود فيكون مرئيّا ، كما في الشاهد ؛ فإنّ الجمع بينهما بالوجود وهو علّة الرؤية عندهم.
أو حدّ كما في قولنا : الواجب من ثبت له العلم ، فيكون عالما كغيره ؛ فإنّ الجمع بينهما بثبوت العلم له وهو حدّ لما يراد إثباته أي العالم.
أو شرط ، كقولنا : الواجب حيّ فيكون مدركا ، كما في الشاهد ؛ فإنّ الجامع هنا هو الحياة التي هي شرط الإدراك.
أو دليل ، كما في قولنا : التخصيص والأحكام يدلاّن على الإرادة والعلم في الشاهد ، فكذا في الغائب ؛ فإنّ الجامع هنا ـ أي التخصيص والأحكام ـ دليل على إثبات الحكم المطلوب. هذا.
__________________
(١) قاله البصري في المعتمد ٢ : ٣٢٧ ، والغزالي في المستصفى : ٣٢٨ ، ونسبه المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٢٢ إلى الجمهور وابن الهمام.
(٢) قاله الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٣٣٣ ونسبه أيضا إلى أكثر المتكلّمين ، والمطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٤٢ ونسبه أيضا إلى أكثر المتكلّمين ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٤٢.