مثاله : قول الحنفي في الصوم الواجب بنيّة النفل : أتى بما امر به فيصحّ ، كالحجّ الواجب ، وهو لا يقول بصحّة الحجّ الواجب بنيّة النفل ، بل الشافعي هو القائل به (١) ، فقياسه فاسد ؛ لأنّه بنى فرعه على ما هو معترف ببطلانه ، ولا يصلح ذلك إلزاما للخصم ؛ لجواز أن يقول : العلّة في الأصل عندي غير هذا الوصف ، أو لا بدّ لي من التزام الخطأ في الأصل أو الفرع ، ولا يتعيّن الخطأ في الفرع حتّى يحصل مطلوبك ، وربّما ألتزم الخطأ في الأصل ، ولا يضرّني ذلك في الفرع.
ومنها : أن يكون حكما شرعيّا إذا كان حكم الفرع شرعيّا ؛ لأنّ المطلوب حينئذ إثبات حكم شرعي للمساواة في علّته حتّى يكون القياس شرعيّا ، ولا يتصوّر ذلك إذا كان حكما عقليّا أو لغويّا ، كما لو قال : شراب مشتدّ فيوجب الحدّ ، كما يوجب الإسكار ، أو كما يسمّى خمرا. هذا ما ذكره الأكثر (٢).
واعترض عليه بأنّ ثبوت الحكم في الفرع يتوقّف على ثبوته في الأصل وعلى تعليله بوصف معيّن ووجوده في الفرع ، فلو استند الأوّل فقط إلى العقل أو اللغة لم يخرج القياس عن الشرعي ، إذا استند الأخيران إلى الشرع ؛ لأنّ إثبات حكم الفرع حينئذ بالشرع ؛ لأنّ المأخوذ من المقدّمات الشرعيّة شرعي (٣).
والتحقيق على قواعد الفريقين أنّه إذا علم الأخيران يجوز أن يثبت به الحكم في الفرع وإن لم يعلم ثبوت حكم الأصل أصلا ؛ فإنّه إذا علم أنّ الشدّة علّة الحدّ ، وأنّها وجدت في هذا الشراب ، فشربه يوجب الحدّ وإن لم يعلم أنّها توجب الإسكار ، إلاّ أنّ إثبات الحكم حينئذ ليس بالقياس ؛ لأنّه يتوقّف على مساواة الفرع للأصل في حكمه ، فلا بدّ من وجود أصل وتشبيه الفرع به في حكمه حتّى يتحقّق القياس ، ويجب أن يكون حكم الفرع مساويا لحكم الأصل إمّا في عينه أو في جنسه ـ كما يأتي (٤) ـ فحكم الأصل العقليّ إذا لم يكن
__________________
(١) راجع بداية المجتهد ٢ : ٢٩٣.
(٢) منهم : الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٣٣٩ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢١٥ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٦٤.
(٣) حكاه الفخر الرازي عن أكثر أصحابه وجمهور الحنفيّة في المحصول ٥ : ٣٣٩ ، وهو رأي المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٤٤ ، وحكاه الأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٤٤.
(٤) يأتي في ص ٥٤٧.