الفرض عدم مدخليّتها في إثبات حكم الأصل القريب ؛ لأنّ معنى كونه مثبتا بالقياس لا غير أن لا يثبت في الفرع بعلّة ابتداء من دون التوصّل إلى علّة اخرى ، والتي ثبت اعتبارها فيه ـ وهي الثانية ـ لم يثبت في القياس الأوّل ، فلا مساواة في أصله وفرعه في العلّة ، فلا تعدية ؛ لأنّها تتوقّف على أن يثبت حكم الفرع بما يثبت به حكم الأصل. فهذا القياس باطل وإن جاز تعليل حكم واحد بعلّتين ؛ لأنّ الفرض عدم إمكان إثبات حكم الأصل القريب إلاّ بالتوصّل إلى العلّة الثانية ، وبعد التوصّل بها إليه كانت الاولى ملغاة عديمة الأثر ؛ لأنّها تعرف بعد ما عرف تعليله بالثانية.
مثاله : أن يقول المستدلّ : الجذام ينفسخ به النكاح كالقرن والرتق بجامع كونه عيبا يفسخ به البيع ، ثمّ يقيس القرن والرتق على الجبّ بجامع كونه مفوّتا للاستمتاع ، فالحكم في الفرع ـ وهو الجذام ـ إنّما يثبت بكونه عيبا يفسخ به البيع ، وفي الأصل القريب ـ وهو القرن والرتق ـ قد يثبت بفوات الاستمتاع ، فيمتنع التعدية.
ومنه قياس الوضوء على التيمّم في اشتراط النيّة بجامع الطهارة ، وقياس التيمّم على الصلاة فيه بجامع العبادة. هذا.
واحتجّ الخصم بمنع وجوب المساواة بين الفرع والأصل في العلّة ، وجواز إثبات الحكم في الفرع بعلّة ، وفي الأصل باخرى ، كما يجوز إثباته في الفرع بدليل هو القياس ، وفي الأصل بآخر هو النصّ أو الإجماع ، وعدم مانع سواه (١).
وجوابه : الفرق بين العلّة والدليل بأنّه يلزم من عدم المساواة في العلّة امتناع التعدية وبطلان القياس كما عرفت (٢) بخلاف اختلاف الدليلين. هذا.
واعلم أنّ المتنازع هو حكم الأصل الذي قبله المستدلّ ومنعه المعترض ، كما تقدّم. وأمّا إن كان بالعكس ، فلا خلاف في فساد القياس ؛ لأنّه يتضمّن اعتراف المستدلّ بالخطإ في الأصل ، والاعتراف بفساد إحدى مقدّمات الدليل يوجب الاعتراف بفساده ، ولا يسمع من المدّعي ما اعترف بفساده.
__________________
(١) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢١٥ و ٢١٦ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٢٩٧ و ٣١١.
(٢) تقدّم في ص ٥٣٩.