وأمّا السلطان الجائر ، فلا ينبغي الريب في حرمة تصرّفه وتقبيله ، ولعلّه إجماعي ، كما حكاه بعضهم ، كيف وهو حقّ الإمام ، وقد تولّاه غصبا وعدوانا ، مانعا لمستحقّه وأهله عنه ، فما في الكفاية ـ من منع الحرمة بعدم ثبوتها إذا كان غرضه جمع حقوق المسلمين ـ في غاية الحزازة ، فإنّ أصل الجمع حقّ إمام المسلمين أيضا ، لا يجوز لغيره التصدّي له إلّا بإذنه ، بل لو سلّم الإذن ، فالحكم بجواز عمل الجائر مشكل أيضا ، لاختلاف وجوه العمل وأحكامه باختلاف النيّات ، ومن الظاهر أنّ عمل الجائر ليس من باب الوكالة والرخصة من صاحب الحقّ ، بل من جهة الاستحقاق والاستخلاف ، فهو متفرّع على الخلافة المغصوبة ، وجواز التقبّل منه في غير صورة الاستنقاذ وتخليصه من يد الغاصب غير مسلّم ، ولو سلّم فهو لا يستلزم جواز التقبيل له ، كما في إطعام الغاصب الطعام المغصوب لمالكه مع جهله به ، فهو خارج عن عموم حرمة المعاونة على الإثم ، مع أنّ إبقاء الجائر يده عليه إثم أيضا ، فالإثم واقع على كلّ حال.
وأمّا التقبّل من الجائر مع إمكان التصرّف لمن له الحقّ أو لنائبه ، فالحكم بجوازه مشكل أيضا ، بل الظاهر عدمه ، للأصل وعدم ثبوت المخرج ، كما قاله جمع من الأجلّة ، وفي بعض الصحاح حرمة كسب غير الشيعة ممّا في يده من الأرض (١). وما في عدّة من الروايات (٢) من جواز أخذ الخراج منه بالبيع والشراء والحوالة وغيرها ، المشعر بجواز التقبّل منه ، ظاهر الاختصاص بصورة عدم التمكّن ، كما ستعرف.
ومثلها الأخبار المجوّزة المطلقة ظاهرا بشهادة الواقع في زمن الأئمة ، بصورة عدم تمكّن الغير ، مع أنّ في دلالة أكثرها على العموم تأمّل ، لعدم كون الإطلاق فيها
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٣٧.
(٢) نفس المصدر ٦ : ٣٣٦ ، الرواية ٩٣٢ و ٩٣٣ ؛ و ٣٧٥ ، الرواية ١٠٩٢ و ١٠٩٤.