وثانيها : أن يكون مما يتعذّر أو يتعسّر معرفته إلّا نادرا ، فلا يعتبرها العرف في معاملاتهم ومكاسبهم ، كتفاوت أساس الجدران وبواطن العمارات في كونها من الطين أو الجصّ والساروج ، وأعماق منابت الأشجار والبساتين في كونها حجرا أو ترابا.
وثالثها : أن يكون التسامح دائرا مدار عدم فائدة مهمّة ، وهذا يختلف باختلاف الأغراض والمصالح ، كتفاوت يوم ـ بل ساعة ـ في اختلاف مدّة الخيار ، فقد يداقّون فيه بملاحظة لزوم البيع وعدمه به والمتسامح به المغتفر في الشرع ، فهو الأوّلان دون الأخير ، لما عرفت. ومن ذلك اتّفاقهم على اشتراط تعيين مدّة الخيار ، بحيث لا يحتمل زيادة ولا نقيصة ولو بزمان قليل تمسّكا بنفي الغرر.
البحث الثاني : كما أنّ الغرر يحصل في البيع الجزئيّ الشخصيّ ، يحصل في الكلّي ـ أيضا ـ إذا كان مبهما في أنواعه وأقسامه وأفراده المختلفة قيمة أو صفة يختلف بها الأغراض والفوائد ، فيفسد به البيع ، كما صرّح به غير واحد ، لعموم الدليل.
فإن قلت : الكلّي الطبيعيّ إذا كان متعيّنا بمفهومه فمشخّصاته النوعية أو الفردية غير داخلة في المبيع ، فلا يحصل بعدم تعيّنها الغرر في البيع ، ولزوم التخصّص بواحد فيها عند الإقباض من باب المقدّمة ، وهي على اختيار البائع ، وإلّا لم يصحّ بيع الكلّي مطلقا.
قلت : المبيع الكلّي وإن كان متعيّنا في نفسه ، إلّا أنّ تعلّق القصد ببيعه وشرائه لا ينفكّ عن تعيّنه بمشخصاته الخارجية المقوّمة لوجوده الخارجيّ ، ضرورة أنّ الموجود الخارجيّ هو مقصود المتبايعين بالمعاوضة حقيقة ، فلا يتسامح بتفاوته الفاحش لسائر أفراد الكلّي ، وإن كان بحسب الدلالة اللفظية مدلولا تبعيا ، فيصدق عليه الغرر والخطر عرفا إذا لم يتعيّن الشخص ، كما في بيع فرس كلّي صادق على