روحانيا لأهل الإيمان وأرباب القلوب والإيقان ، فإذا أثار هذه الصفات وأصاب حرارتها برد اليقين ، فتارة يظهر أثره في الجسد ويقشعرّ منه الجلد ، قال الله تعالى : ( تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) (١) وتارة يعظم وقعه ، ويتصوّب أثره إلى الدماغ ، فيندفق منه العين. وتارة يتصوّب أثره إلى الروح ، فيتموّج منه الروح موجا يكاد يضيق عنه يطاق (٢) القلب ، فيكون من ذلك الصياح والاضطراب ، ويختلف هذه الأحوال شدة وضعفا باختلاف مراتب الإيمان وصلاح القلب.
وحاصل الكلام ، أن الألحان على وجوه ثلاثة :
منها : ما يعلم أنّه من تلك الكيفية الخاصّة من الترجيع ، فيعلم كونه غناء ويصدق عليه عرفا ، فلا كلام في حرمته في غير ما اختلف فيه من المستثنيات من الفضائل أو غيرها ، كما سيأتي.
ومنها : ما يعلم عدمه ، فلا بحث في إباحته.
ومنها : ما يضطرب فيه متفاهم العرف ، فيشكّ في كونه من الكيفية المخصوصة ، لاشتباه بينه وبين غيره من الصوت الحسن ، وهو يلحق بالثاني أيضا ، فيكون مباحا.
البحث الثاني :
في بيان حكمه. ولا خلاف بين أصحابنا ، بل بين المسلمين ، في حرمته في الجملة ، بل عدّ من ضروريّ الدين. ويدلّ عليه الآيات والأخبار المستفيضة التي سننبّه على جملة منها ، بل عليه الإجماع ظاهرا ، تحقيقا ونقلا مستفيضا ، فيما عدا المستثنيات الخلافية ، وهي الحداء للإبل ، وغناء المغنية لزفّ العرائس ، والتغنّي بالفضائل ، سواء اقترن باللعب بالملاهي وضرب العيدان ونحو ذلك من المحرّمات ، أم لا.
__________________
(١) الزمر (٣٩) : ٢٣.
(٢) نطاق ( خ ).