أهل بيت ولا أهل بلد غالبا إلّا لزمهم الاشتغال دائما بفعل الفوائت وترك المشاغل ، بل ينجرّ ذلك إلى تعطيل أمور جميع الناس واختلال معاشهم ومعادهم وشرائعهم وفوات مقاصدهم ، وهل يجوّز ذو بصيرة وقوع مثل تلك البليّة العامة والداهية العظيمة في عموم الأنام ، مع أنّ الله سبحانه يريد منهم اليسر ولا يريد بهم العسر.
وإناطة الأمر إلى قدر ما يلزم منه الحرج سخيفة بل غير معقولة ، لعدم انضباطه ، خصوصا باعتبار الحرج الحاصل من كثرة المشتغلين.
ثمّ يؤكّد ذلك ويعاضده بل يدلّ عليه عمل المسلمين من السلف والخلف من غير نكير في جميع الأعصار والأمصار من العلماء وأتباعهم وسائر الناس ، مع اشتغال ذمّة أكثرهم بفوائت كثيرة بل غير محصورة ، كما سمعت ، ومع ذلك ينامون ويتحاورون ويكتسبون ويسافرون ويصلّون في سعة الأوقات ويقيمون الجماعات في أوائلها ويزدحم عموم الناس فيها ويتنفّلون ، مع اشتهار كون الأمر يقتضي النهي عن الضدّ بينهم ، وما هذا إلّا لاشتهار المواسعة في عصر الأقدمين من أصحابنا.
وهكذا كلّ خلف عن سلف ومتأخّر عن متقدّم إلى زماننا كما عرفت في تحرير الأقوال ، ونصّ عليها في أصل الحلبي الذي رواه عنه جماعة كثيرة من أساطين الأصحاب والمشايخ بطرقهم المتكثرة ، ولعمري أنّ دعوى بعضهم الإجماع على المضايقة مع تلك الحال من أغرب الدعاوي ، كما ستسمعه ، إن شاء الله.
الخامس : الأخبار الدالّة بالخصوص على نفي المضايقة أو الترتيب :
منها : صحيحة عبد الله بن سنان (١) ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلّهما ، فإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر
__________________
(١) وسائل الشيعة ٤ : ٢٨٨ ، الباب ٦٢ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥١٨٢.