الرابع : اتفاق الفقهاء بحيث ربما تركوا لسببه الظواهر. وفيه : منع الاتفاق على الكلّية ، وإن عملوا بمقتضى عدم التداخل في موارد كثيرة.
ومنه يظهر ضعف التمسّك باستقراء الشرعيات ، وكون المدار فيها على تعدّد المسبّبات بتعدّد الأسباب ، كما في أسباب الصلاة والصوم والزكاة والحجّ والديات والحدود وغيرها.
وإذا عرفت ضعف أدلّة الطرفين ، فمقتضى النظر : أنّ مقتضى السببية ترتّب المسبّب على السبب ، فالمسبّب إن كان من الأحكام الطلبية ـ وفي حكمها ما يؤول إليها من الأحكام الوضعية ، من الشرطية والمانعية وغيرهما ـ أمكن حصول هذا المقتضى للسببين بمسبّب واحد ، ويكفى في الترتّب عليهما تعدّد الجهة ، كما في نذر الواجب ، وتداخل الغسلين لإمكان مطلوبية فعل واحد ومبغوضيته من جهتين. وكذا مانعيته أو شرطيته ، فالأصل فيه التداخل ، لإمكان الامتثال لهما بفعل واحد ، وأصالة البراءة عن الزائد ، ولا يوجب التداخل إسقاط المؤثّر عن التأثير ، فكان على خلاف الأصل ، كما توهّمه بعض الأجلّة.
وإن كان من غيرها ، فلم يكن موضوعه من فعل المكلّف ، بل من قبيل الأوصاف الشرعية ، كالملكية والزوجية والرقّية ، واشتغال الذمّة بحقّ الغير ، ونحوها مما يمتنع توارد العلل المتكثرة عليه ، ولا يتعقّل تعدّد السببية والتأثير إلّا بتعدّد الموضوع ، فالأصل فيه عدم التداخل تحقيقا لمعنى السببية المستقلّة لها ، فإن قلنا بالتداخل فيه ، كان هذا إسقاطا للمتأخّر عن التأثير ، وهو محتاج إلى دليل ، لكونه خروجا عما دلّ على سببية كلّ واحد منهما مستقلا.