آنفا ، وفصّلنا سابقا ، من أنّ الضرر المسبب عن فعل الشخص نفسه غير منفيّ عنه في الشرع ، ولازمه بالإجماع المركّب ثبوت الغرامة ، لضرر المالك المنفيّ عنه قطعا.
نعم ، في القسم الثاني ، الذي حصل التلف منه بفعل المباشر الجاهل ، إذا كان فاعل السبب أيضا جاهلا ، كإحضاره الطعام المسموم ـ مع جهله ـ عند الضيف الجاهل ، فالظاهر : عدم ضمان الفاعل ، لعدم حصول التغرير منه ، وعدم مباشرته للإتلاف ، فالضرر يلحق بالمباشر المتلف ، مثل ما تقدم في الأيدي المتعاقبة. مع أنه لو سلّم تساوي نسبتهما إلى عمومات نفي الضرر ، فيخرج المفروض عنها ، لاستلزامه عدمه ، فالمرجع إلى البراءة.
ومن ذلك ما إذا قدم الضيف مال نفسه مع جهلهما ، بل هو أولى بالبراءة. ولو علم المقدّم حينئذ ، دون الضيف ، فلا يبعد الضمان ، لقوة السبب ، إلّا إذا غلب على الظن كونه بحيث يأكله ، ولو مع علمه بأنّه من نفسه ، ففيه تردّد.
وأما الثالث : أي : إيجاد الشرط ، وهو ما لولاه لما حصل التلف ، ولكن لم يكن له تأثير ولا استلزام له ، فالمعروف بينهم كونه متعقّبا للضمان بالمال دون النفس ، إذا كان عاديا في فعله ، كحفر البئر في الطريق المسلوك أو ملك الغير ، ووضع السكّين فيه ، وعدمه ، إذا كان سائغا ، كحفره في ملكه ، أو وضع شيء في الطريق ، مما لا يضرّ غالبا ، فاتفق أحيانا ضرره ، كطرح قشر فاكهة فيه ، فحصل به العثار لأحد ، لما تقدم من الأخبار المقتضي للعموم ، بتقريب كون الخصوصية من باب التمثيل ، كما ذكره غير واحد ، ولعدم القائل بالفصل ، إلّا إذا كان الواقع فيه عالما ، أو دفعه فيه غيره ، لكون المباشر أقوى إجماعا ، ولأصل البراءة وإباحة التصرف ، فلا يتعقبه الضمان.
والمتداول في كتبهم ، التمثيل بحفر البئر ، لتفصيل الضمان له في غير الملك