الضمان ، كالصحيحين الأخيرين.
البحث الثاني : في بيان موارد صحّة الاستدلال بقاعدة نفي الضرر ، من الأحكام الشرعية والوضعية ، نفيا وإثباتا.
قد علمت أنّ معنى نفي الضرر نفي الحكم الإضرارى في الإسلام ، وعدم تشريعه ، وصدق هذا المعنى المنفيّ مشروط بأمور ثلاثة :
الأوّل : أن لا يكون الحكم الإضراري مسببا عن فعله الجائز مع علمه بالضرر ، أو عن فعله المحرّم مطلقا ، إذ عليها كان الضرر بتقصيره ، لعلمه به في الأوّل ، وعصيانه في الثاني ، فلا اضطرار عليه من الشرع ابتداء ، لاستناد المعلول إلى الجزء الأخير من العلة ، وهو فعل نفسه ، فضرر المغبون مع علمه بالغبن صادر عن اختياره ، وإن كانت السببية للزوم بحكم الشارع. نعم ، مع الجهل يضعف المباشر ، ويقوّي السبب ، وكذا ضرر الجاني بالقصاص أو الدية ، والغاصب بالعوض ، مع علمها بحرمة الفعل ، عن فعله المقصّر فيه ، لا بإضرار الشارع ، فحكمه حكم الضرر السماوي. والاشتغال الفعلي بحق الغير ، الذي هو المناط في صدق الضرر ، حصل بفعله واختياره ، مع علمه به.
ومنه يظهر خروج أحكام القصاص والديات والحدود والضمانات والكفّارات وأشباهها عن قاعدة نفي الضرر ، بل يمكن إخراج الأحكام الإضرارية الجزائية عن موضوع القاعدة بالشرط الآتي أيضا ، أعني عدم كون الإضرار الحكميّ لرفع ضرر أقوى ، نظرا إلى أنّ الحكم بتلك المضار لرفع مفسدة العصيان ، أو تحقيقها الواقعة من نفسه على نفسه ، ( وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (١).
الثاني : أن لا يقصد من الضرر جلب منفعة ، أو رفع مضرّة ، مساوية أو أقوى ،
__________________
(١) العنكبوت (٢٩) : ٤٠.