وإلى هذا أشار شيخنا الشهيد في المسالك (١) في الاستدلال على صحة بيع من له الرجوع في الهبة بقوله : العقد يدلّ على إرادة الفسخ ، والغرض من الألفاظ المعتبرة في العقود : الدلالة على الرضا الباطني ، لأنه هو المعتبر ، ولكن لما لم يمكن الاطلاع عليه ، نصب الشارع الألفاظ الصريحة الدالّة عليه واعتبرها في صحة العقد ـ وحينئذ ـ فالعقد المذكور يدلّ على تحقق إرادة الفسخ قبل العقد ، فيكشف العقد عن حصول الفسخ بالقصد إليه قبل البيع. انتهى.
إلّا أنّ تعميمه ذلك بالنسبة إلى ألفاظ العقود التوقيفية غير جيّد ، لكونها من باب الأسباب قطعا ، كما عرفت. وكيف كان ، فالسبب المؤثر في الانفساخ هو الإرادة المقدّمة على الفعل ، فيكون الفعل الناقل صادرا عنه في ملكه.
ومن هذا يظهر سقوط القول الأوّل.
وأما توجيه حصول الفسخ بالإرادة مع عدم الخلاف ـ ظاهرا ـ في توقفه على وجود الفعل ، بحيث لو اتفق حصول المانع عن الشروع في الفعل اضطرارا بعد تحقق الإرادة لم يتحقق الانفساخ ، فهو أنّ التوقف على التصرف ليس من باب السببية المستلزمة لتأخر الملك عنه ، بل هو من قبيل الاشتراط بالشرط المتأخر ، بمعنى أنّ تأثير الإرادة في الانفساخ وسببيتها مشروط باقترانها بالفعل ، وهو نظير الإجازة في العقد الفضولي على القول بكونها كاشفة كما هو المشهور المنصور.
وفرعوا عليه ملك النماء المتخلل بين العقد والإجازة للمشتري.
فرع : لو اشترى عبدا بجارية فقال : أعتقتهما فعن [ بعض ] : انعتاق الجارية دون العبد ، لتقدم الفسخ على الإجازة.
وردّ بالمنع فيما وقع الفسخ والإجازة من طرف واحد ، ولو لعدم الدليل.
__________________
(١) مسالك الأفهام ٦ : ٤٩.