علمت اختلافهم في حقيقة العدالة في أنّها الملكة أو نفس التقوى. وأشرنا إلى أنّه على الأوّل يشترط مقارنة الملكة لعدم التخلّف في العمل عن الاجتناب عن الكبيرة أيضا. ثم اختلفوا ثانيا فيما يكشف شرعا عن ثبوت هذا المعنى على أقوال ثلاثة :
أحدها : أنّه البحث عن الباطن والمعاشرة التامّة ، والصحبة المتأكّدة الموجبة لمعرفة الحقيقة ، حتّى أنّه على القول بالملكة يلزم الاختبار العلمي عنها المميّز بين الخلق والتخلّق ، والطبع والتكلّف ، أو ثبوتها بالشياع العلمي أو شهادة العدلين ، اختار ذلك أكثر المتأخّرين ، بل نسبه في المسالك (١) إلى المشهور.
وثانيها : الاكتفاء في ذلك بحسن الظاهر ؛ ذهب إليه جمع من المتأخرين ، وفي الذكرى (٢) عن بعض الأصحاب ، وحكي عن الشيخ (٣) أيضا. والمراد به كما عرفت ما هو في قبال الواقع ، فلا يلزم البحث عن الباطن ، كما على الأوّل ، بل يكتفي بمعرفة الظاهر المشهود للناس.
وثالثها : الاقتصار فيه على ظهور الإسلام ، وعدم ظهور الفسق ؛ حكي عن الإسكافي (٤) والمفيد في الإشراف (٥) والشيخ في الخلاف (٦) والمبسوط (٧) والاستبصار (٨).
والظاهر أنّ مراد هؤلاء أن ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق من الأمارات التعبّدية
__________________
(١) مسالك الأفهام ٤ : ١٦٥.
(٢) ذكرى الشيعة ٤ : ٣٧٢.
(٣) المقنعة : ٧٣٠.
(٤) مجموعة فتاوى ابن الجنيد : ٣٢٨.
(٥) المقنعة : ٧٢٦.
(٦) الخلاف ٦ : ٢١٧.
(٧) المبسوط ٨ : ٢١٧.
(٨) الاستبصار ٢ : ١٤ ، كتاب الشهادات ، الباب ٩ ، الحديث ٣.