الثالث : في مقدار الخطر من جهة العرف
واختلف في المعيار المعتبر في صدقه عرفا ، ففي المحكيّ عن الشهيد في شرح الإرشاد : أنّ الغرر احتمال مجتنب عنه في العرف ، بحيث لو تركه وبّخ عليه.
واعترض عليه : أنّ مقتضاه أنّه لو اشترى الآبق والضال المرجو الحصول بثمن قليل لم يكن غررا ، لأنّ العقلاء يقدمون على الضرر القليل رجاء للنفع الكثير ، وكذا لو اشترى المجهول المردّد بين النحاس والذهب بقيمة النحاس ومجهول المقدار بثمن المتيقن منه ، فإنّ ذلك كلّه مرغوب فيه عند العقلاء ، مع إطباق كلماتهم وإطلاق عباراتهم في كونه غررا منهيّا عنه ، إلّا أن يحمل كلامه على الاجتناب الراجح (١) باعتبار الجهل به في نفسه لا الفعلي المرغوب فيه أحيانا لجهة خاصة به ، ولا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات وإقدام العقلاء عليه أحيانا ، ولذا لا يغتفر شرعا في مدة الخيار الجهل ولو بساعة وساعتين المعلّل عندهم بنفي الغرر ، مع أن العرف لا يداقّون في مثل تلك الجهالات غالبا.
وربما يظهر من بعضهم أنّ الجهالة التي لا يرجع الأمر معها غالبا إلى التشاحّ ، بحيث يكون النادر كالمعدوم لا يعدّ غررا ، كتفاوت المكاييل والموازين ، وهو ـ أيضا ـ لا يخلو عن إجمال وإبهام.
والتحقيق : أنّ معيار الغرر في العرف هو الخطر الذي يجتنب عنه مطّردا أو غالبا كان خلافه نادرا في حكم المعدوم ، فلا عبرة بمجرّد المسامحة في بعض المقامات لجهة عارضة شخصية.
وتوضيح ذلك : أنّ تسامح العرف بالجهل على وجوه :
أحدها : أن يكون متعلّقه أمرا يسيرا لا يتعلّق به قصد يقيني به ، ولا يترتّب عليها فائدة معتدّة كتفاوت الكيل والوزن.
__________________
(١) في الأصل الرابع وهو تصحيف ظاهرا.