من الأمر مجرّد حصول الأثر ، كالأمر بتطهير الثوب ، وإنقاذ الغريق ، فيسقط الأمر بفعل المحرّم ، لحصول الغرض ، وإن لم يترتّب عليه الثواب.
وكيف كأن ، فمن البيّن : أنّ محلّ البحث ليس من صورتي عدم التعارض ، بل هو من باب تعارض الحكمين الأصليين بالعموم من وجه ، إذ الأمر بالإعانة على البرّ ، هو الأمر بإيجاد ما توقّف عليه ، وهو في الفرض من أفراد الغناء المعين على البكاء أو الإبكاء ، فيحصل التعارض.
نعم ، لا يبعد الفرق بين الأمر بالإبكاء والإعانة ، بكون النظر في الأوّل حصول الأثر ، فلا ينصرف الإطلاق إلى خصوصيات أفراد السبب ، بخلاف الثاني ، لظهوره في كون المقصود منه الأمر بإيجاد أسباب البرّ وشرائطه ، ولا أقلّ من عدم ظهوره في غيره الكافي في صحّة التمسّك بإطلاقه.
وأمّا التنظير بالزنا ، في حصول قضاء حاجة المؤمن ، به فلا مناسبة له بالمقام ، فإنّ أصل الحاجة ـ وهي الزنا ـ محرّمة على المحتاج ، فكيف يحسن قضاؤها؟ بل يحسن من الغير الإعانة على منعها ، بخلاف البكاء.
ومنها : الغناء في قراءة القرآن ، وهو كسابقه دلّ على جوازه ما مرّ ، من الأصل ، وقصور الأدلّة المانعة من شمولها له ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المتقدّمة. جملة منها المعتضدة بالأصل الآمرة بقراءة القرآن بالصوت الحسن ، الشامل للغناء ، بل هو أظهر أفراده أو بخصوص الترجيع ، كرواية أبي بصير الصحيحة (١) ، عن السرّاد ، المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه ، وفيها : « ورجّع بالقرآن صوتك ، فإنّ الله سبحانه يحبّ الصوت الحسن ، يرجّع به ترجيعا ».
والإيراد على الأوّل : بأنّ الغناء هو الترجيع ، وهو وصف عارض للصوت الحسن ،
__________________
(١) الكافي ٢ : ٦١٦ ، باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن ، الحديث ١٣.