نعم ، لا يصحّ الخروج عن الإطلاقات المقتضية للتكليف بالواقع ، إلّا فيما ثبت تقييدها به.
وإذ تمهّد ذلك ، فنقول صرّح جماعة من الأصوليين ، بل عن المشهور : وجوب الاجتناب عن الجميع في الشبهة المحصورة ، ولزوم الموافقة القطعية. وذهب جمع من الأجلّة ، منهم المحقق القمّي ، ووالدي العلّامة (١) إلى حلّية غير ما يساوي الحرام تخييرا ، فلا يجب القطع بالموافقة ، بل يحرم المخالفة القطعية ، وعن بعضهم حلّية الجميع تدريجا وعدم حرمة المخالفة القطعية ، ونسب ذلك إلى العلّامة المجلسي.
والحقّ هو الثاني.
لنا على عدم وجوب الموافقة القطعية وجهان :
أحدهما : انتفاء التكليف بالمعلوم الإجمالي الواقعي بعينه بالنسبة إلى الجاهل ، لأدلّة البراءة عما لا يعلم حرمته ، كقوله عليهالسلام : « كلّ شيء حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه » (٢). وقوله عليهالسلام : « كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه » (٣) ، المخصّصة لعموم دليل تحريم العنوان المشتبه ، كقوله : « اجتنب عن الخمر مثلا » ، المطلق بالنسبة إلى علم المكلف وجهله ، فيقيد بما ذكر.
وخصوصية موضوعه في الخطاب بالنسبة إلى موضوع أدلّة البراءة لا يرفع حكم التقييد بها لعدم مدخلية خصوصية العنوان في ذلك.
قيل : هذه الأخبار وأمثالها لا يصلح للمنع ، لأنها كما تدلّ على حلّية كلّ واحد من المشتبهين ، كذلك تدلّ على حرمة ذلك المعلوم الإجمالي ، لأنّه شيء يعلم حرمته.
__________________
(١) مستند الشيعة ٢ : ٣٩١.
(٢) لم نقف عليه.
(٣) وسائل الشيعة ٢٤ : ٢٣٦ ، الباب ٦٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الرواية ٣٠٤٢٥.