وإرادة المعلوم الإجمالي المردّد بين المشتبهين ليست بأظهر من حمله على المباح المعد لارتكاب الحرام ، ككثير من الشهوات النفسانية ، واستلزام حمل الأمر على الاستحباب من باب الإرشاد والوعظ الوارد أمثاله في الأخبار بما لا يحصي ، ليس بأدون من التجوّز الحاصل على الحمل على المبحوث عنه ، فيما إذا ارتكب أحد المشتبهين خاصة.
وعن الثالث : أنّ الخلط حقيقة في الامتزاج دون الاشتباه ، فهو على خلاف المقصود أدلّ. ومن هذا وما تقدم يظهر ما في الرابع أيضا.
حجّة القول بحلّية الجميع تدريجا يظهر مما قدمنا مع جوابه ، ومع ذلك يمنعه بعض ما تقدّم من الأخبار ، مضافا إلى كونه خلاف ظاهر الأصحاب ، ولم يجترأ على القول به صريحا من مال إليه ، بل يترتّب عليه من المفاسد ما لا ينبغي الشبهة فيه.
وحجّة القول بالقرعة : أنّ الحرام المشتبه يتخلّص بها ، لما ورد أنها لكلّ أمر مشكل ، وخصوص الخبر الحاكم بالقرعة في قطع غنم نزى (١) الراعي على واحدة منها ثم أرسلها في الغنم فاشتبه بغيرها.
والجواب عن الأوّل : أنّه لا إشكال بعد ما عرفت من الأدلّة.
وعن الثاني : أنّه لا يدلّ على الوجوب ، بل غايته الاستحباب ، كما احتمله بعض الأصحاب ، سيما مع عدم صراحته فيه وندرة القول بها بل شذوذه ، فلا ينهض حجّة. واحتمل بعضهم اختصاص العمل به في مورد الخبر مع عدم ما يفيد العموم فيه.
تنبيهات :
الأوّل : ما ذكرنا من حلّيته ما عدا مقدار الحرام تخييرا إنّما هو فيما لا يقتضي
__________________
(١) نزا ، ينزو : وثب ، والذكر على الأنثى : سفدها.