مسبوق بالعدم ، فيعارضه الاستصحاب فلم يبق للأصل مورد أصلا ، إذ ليس تعارض الاستصحاب لأصل البراءة بالمزيلية في جميع صور التعارض ، كما إذا شك في الإباحة الاستقلالية الغير المترتّبة على حدوث سبب ، فإنّ مقتضى الاستصحاب ليس هنا نفي السبب بل يمكن القول بكون الأصل حينئذ مزيلا للاستصحاب ، نظرا إلى ثبوت التوظيف للإباحة الاستقلالية الظاهرية بمثل قوله عليهالسلام : « كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي » (١) و « الناس في سعة مما لا يعلمون » (٢) ، وغيرهما من أدلّة البراءة المقتضية للعلم الشرعيّ الرافع للاستصحاب كما بيّناه في مقامه.
المطلب الثاني : في بيان ما ثبت خروجه من الأصل الأوّلي وانقلب فيه بالأصل الثانوي المقتضى للصحّة.
فاعلم أنّ ظاهر أكثر الأصحاب بل المعروف منهم ، انقلاب أصل الفساد في أغلب صور الشك في اشتراط شيء أو مانعيّته لمعاملة من المعاملات الموظفة ، إلى أصل ثانوي اجتهادي يقتضي صحّة جميع ما صدق عليه اسم تلك المعاملة الموظفة عرفا ، بل ربما يظهر من بعضهم أصالة الصحة عند الشك في شرعية أصل المعاملة وتوظيفها بالخصوص أيضا ، وبها يستدلّ على تأسيس عقد المعاوضة المطلقة بلفظ « عاوضت ». ومنشأ هذا الأصل في المشهور عموم قوله سبحانه في سورة المائدة :
__________________
(١) الفقيه ١ : ٣١٧.
(٢) لم نظفر على رواية بهذا التعبير في الجوامع الروائية ، بل الوارد فيها تعبيران آخران : أحدهما رواية السكوني بهذا التعبير : « هم في سعة حتّى يعلموا ». ( المحاسن للبرقي : ٤٥٢ ؛ وسائل الشيعة ٣ : ٤٩٣ ، الباب ٥٠ من أبواب النجاسات ، الرواية ٤٢٧٠ ).
والآخر ما نقل مرسلا عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بهذا التعبير : « الناس في سعة ما لم يعلموا ».
( مستدرك الوسائل ١٨ : ٢٠ ، الباب ١٢ من أبواب مقدمات الحدود ، الرواية ٢١٨٨٦ ).