الخامس : البناء على التعارض ، والرجوع إلى ما يقتضيه الأصل ، وهو المعروف من جماعة.
وأقول : والتحقيق في المقام ، بعد بيان مقدّمة ، هي : أنّ تعارض الأحكام الشرعية التي لا يجتمع منها اثنان في موضوع ، ولو بعنوانين مختلفين بينهما عموم من وجه ، إنما هو إذا كان تشريعهما في رتبة واحدة ، بحيث كان عموم أحدهما منافيا لعموم الآخر ، كقوله : يجب إكرام العلماء ، ولا يجب إكرام الفساق ، المتعارضين في العالم الفاسق. وأما إذا كان أحدهما واردا على الآخر ، وسببا مزيلا لمقتضاه ، فلا تعارض بينهما حقيقة ، بل يعمل بالمزيل ، نظير تعارض المزيل والمزال في الأصول العملية ، على ما بيّناه مستوفى في محلّه ، وسيجيء مزيد بيان فيه ، كما إذا لاقى اليد المستصحبة النجاسة للماء الطاهر ، فحصل الشكّ في طهارته ، فإنّه يقدم استصحاب نجاسة اليد على استصحاب طهارة الماء [ و ] يحكم بزوال طهارته بسبب التلاقي ، بل هو مقتضى سببية الأسباب الشرعية ، سواء كانت من الأصول الظاهرية ، أو الأحكام الواقعية ، كعروض النجاسة للطعام المزيل لإباحته ، أو وجود مرض أو شبع ـ كذلك ـ وغليان العصير الموجب لحرمته ، وصيرورة المباح واجبا إذا صار مقدمة ، وإباحة الميتة بحصول المخمصة ، وأمثال ذلك.
وقد يتوارد على موضوع واحد أحكام مختلفة متعاقبة ، فلا تعارض بين دليليهما ، لعدم اجتماع الحكمين في وقت واحد.
نعم ، قد يحصل الإشكال في اختلاف المدلولين : أنه من باب التعارض أو السببية ، فإن دلّ على السببية دليل ، أو كان هو المنساق من دليل السبب ، فهو ، وإلّا يلتمس الترجيح لأحدهما ، ثمّ يرجع إلى الأصول.
وإذ علمت ذلك نقول : المنساق من حديث نفي الضرر كونه واردا على قوله