« الناس مسلّطون » وورود الثاني في مقام بيان مجرّد السلطنة المالكية الغير المنافية (١) لعروض سبب مانع لبعض التصرّفات ، مزيل للرخصة اللازمة للسلطنة ، سيما بملاحظة نظائره من الأسباب المحرّمة الطارية على الجواز الأصليّ ، كأمثال ما ذكر ، وبملاحظة استدلالات الفقهاء ، فإنّهم يستدلّون بنفي الضرر على خيار الغبن ، في مقابل عموم : « الناس مسلّطون » الدال على لزوم العقد ، وعدم تسلّط المغبون على إخراج ملك الغابن عن ملكه ، فالضرر يوجب تحريم الفعل الجائز ، كاقتضاء الواجب وجوب مقدّمته المباحة ، والإسراف حرمة ماله المباح.
كيف وإضرار الغير ليس بأهون في نظر الشارع من إضرار الشخص نفسه ، فكما لا يعارض عموم : « الناس مسلّطون » دليل حرمة تضييع مال نفسه ، كذا لا يعارض دليل حرمة تضييع مال الغير.
ثمّ نقول لتفصيل صور المقام : تصرف المالك في ملكه الموجب لضرر الغير ، إمّا لا يوجب تركه ضررا على نفسه ، ولو بفوات منفعة ملكه المقصودة منه عادة ، فإنّه ضرر أيضا ، كما مرّ. أو يوجبه.
فإن لم يوجبه وكان من قبيل اللغو ، فهو على وجهين :
أحدهما : أن يعلم أو يغلب على ظنّه ضرر الغير ، فالمتّجه ـ حينئذ ـ حرمة التصرّف ، وتعلّق الضمان ، كما صرّح به جماعة ، ويظهر من العلّامة (٢) والشهيد (٣) والمحقّق الثاني (٤) ، حيث قيّدوا جواز التصرّف المضرّ بالجار بما جرت به العادة ، أو
__________________
(١) غير منافية ( ظ ).
(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤١٣.
(٣) الدروس الشرعية ٣ : ٦٠.
(٤) جامع المقاصد ٧ : ٢٥.