ولو ترتّب ثواب الطاعة وعقاب المعصية عليه لا على الآخر لزم إناطة التكليف بالإصابة الاتفاقية للواقع ، وقد علمت بطلانه ، بل استحالته.
وكذا يظهر أنّ تكليف الجاهل بما في نفس الأمر ، سواء كان الجهل بنفس الحكم ، كما عليه الأخباريون في الشكّ الحكميّ في الحرمة ، أو بالمكلّف به ، كما عليه المشهور ، لا ينفكّ عن التكليف بالاحتياط الموجب للعلم بامتثال الواقع ، فالأوّل تكليف بدويّ له ، والآخر تكليف ثانويّ واقع في الطريق من باب المقدّمة العلمية.
الثاني : أنّ الأحكام الشرعية ، كما تقرر في محله ، منوطة بالحكم والمصالح الكامنة في ذوات الأشياء وخصوصيات الأفعال ، على ما اتّفق عليه أهل المعقول والمنقول من العدلية ، ولازمه ثبوت تلك الأحكام لها قبل تعلق علم المكلّف بها ، وإلّا لزم الدور.
والخطابات الشرعية المتوجهة إلى المكلفين منساقة لبيان تلك الأحكام الواقعية ومستعملة فيها ، إلّا أنّها بالإضافة إلى أحوال المكلّفين ليست على إطلاقها ، لمنافاته في كثير من صور الجهل ، لما تقرّر في الشرع من القواعد الشرعية والأصول العدمية (١) من التوسّع والترخيص في مخالفة الأحكام الواقعية ، بل إبقاؤها مطلقا على الإطلاق يؤدّى إلى التكليف بما لا يطاق ، فهو مقيّد بغيرها على معنى عدم العقوبة على المخالفة الواقعية لعذر الجهل ، وكونه مانعا لها ، لا على تساويها للمطابقة في الآثار المسببة عن الحكمة الذاتية الباعثة لتشريع الحكم.
فمحطّ البحث هو الأوّل ، وهو المسمّى بالحكم الظاهري ، فلا يصحّ النقض باحتمال حصول مفسدة الحرمة في إباحة ما يحتمل الحرمة.
__________________
(١) العملية ( خ ).