كما تقدّم والنفع المقصود يعمّ المنفعة الأخروية المتوقعة بمقتضى وعده سبحانه : ( مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ ) (١) منه ، بل النفع الأخرويّ أهمّ من الدنيوية ، وأجلّ وأبقى ، وببذل المال في تحصيله أحقّ وأحرى ، و ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ ) (٢) ، ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ) (٣) فلا يعد مثله ضررا وإتلافا للمال.
وبهذا تصدّى والدي قدسسره للتفصّي عن النقض بالتكاليف الكثيرة الضررية الثابتة في الإسلام ، كالجهاد والحجّ والزكاة والخمس والصوم وغيرها ، حيث إنّها في مقابل المثوبات الأخروية ، فلا يكون ضررا (٤).
وأورد عليه بعض أفاضل المعاصرين (٥) بأنّ المراد بالضرر المنفيّ : الضرر الدنيويّ ، لا غير. وأمّا النفع الحاصل في مقابل الضرر الدنيويّ ، فهو إنّما يوجب الأمر بالتضرّر ، لا خروجه عن كونه ضررا ، فالأمر به مختصّ ومخصّص لعموم الضرر ، لا دافع لموضوعه ، فجميع ما أثبت التكاليف الضررية مخصّص لهذه القاعدة ، كيف ولو كان الأمر كذلك ، لغت القاعدة ، لأنّ كلّ حكم شرعيّ ضرريّ لا بدّ أن يترتّب على موافقته الأجر ، فإذا فرض تدارك الضرر وخروجه بذلك من الضرر ، فلا وجه لنفيه في الإسلام. إلى أن قال بعد تخصيصه الضرر بالدنيويّ : ـ وقد رفع الشارع الحكم في موارده امتنانا ، فيكون القاعدة حاكمة على جميع العمومات المثبتة للتكليف. نعم ، لو قام دليل خاص على وجوب خصوص تكليف ضرري ، خصّص به عموم القاعدة.
__________________
(١) آل عمران (٣) : ٧٦.
(٢) البقرة (٢) : ٢٤٥.
(٣) البقرة (٢) : ٢٦١.
(٤) عوائد الأيّام : ٥٥.
(٥) هو الشيخ الأنصاري قدسسره في رسالة لا ضرر ؛ راجع المكاسب ( الطبعة الحجرية ) : ٣٧٣ ؛ وأيضا رسائل فقهية من منشورات المؤتمر المئوي للشيخ الأعظم الأنصاري : ١٢١.