أقول : لا يخفى ما فيه ، أمّا أوّلا : فلأن تخصيص الضرر بالدنيوي ، مع عموم اللفظ وصدقه على الأخرويّ لغة وعرفا ، يستدعي الدليل ، فكما يخرج الضرر المطلق عن موضوعه لداعي النفع الدنيويّ ، فلا يعدّ ضررا بعنوان الإطلاق عرفا ، كذا يخرجه عنه لداعي النفع الأخرويّ ، ولا يعدّ ضررا عرفا ، وإن صدق عليه الضرر الدنيويّ ، كما يصدق على الأوّل الضرر الأخرويّ والمطلق يتبع الغالب في صحّة النفي والإثبات في مثل ذلك.
قوله : لو كان كذلك لغت القاعدة ، فيه : أنّ مورد القاعدة لا ينحصر فيما بإزائه الأجر الأخروي ، كما في المعاملات الضررية والضمانات والغرامات ، بل غير العبادات من الواجبات.
وأمّا ثانيا : فلأنّ التكاليف الشاقّة الدينية التي عليها أساس الإسلام ، على حدّ من الكثرة ، يبعد ـ غاية البعد ـ أن يكون نسبتها إلى قاعدة نفي الضرر المسلمة على التعارض والترجيح والتخصيص ، بل يستلزم خروج أكثر أفراد العامّ ، سيما إذا قلنا بدخول التكاليف الاستحبابية الضررية التي أفضلها أحمزها في عموم النفي. وما أبعد هذا التخصيص ـ على كثرتها ـ عن دعواه ، وورود حديث نفى الضرر حاكما على عمومات التكاليف الضررية الشاقّة من غير حاجة إلى المرجّح.
وأمّا ثالثا : فلكونه خلاف ما جرت عليه طريقة الأصحاب في الاستدلال بتلك القاعدة ، فإنه لم يعهد من أحد أن تمسّك بنفي الضرر على عدم وجوب العبادة في محلّ الخلاف ، كعدم تعلّق الزكاة بالتمر والزبيب ، أو في مقدار النصاب ، أو في طهارة عرق الجنب من الحرام ، وأمثال ذلك. كما أنّك تريهم يستدلّون به على سقوط العبادة ، فيما كان الضرر بغير نفس العبادة أو جزئها الذي في مقابله ـ من حيث كونه واجبا ـ نفع أخرويّ ، كمقدّمة خارجة أو خصوصية زائدة ، في مثل